الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن ***
وَهُوَ فَنٌّ جَلِيلٌ، وَبِهِ يُعْرَفُ كَيْفَ أَدَاءُ الْقُرْآنِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، وَاسْتِنْبَاطَاتٌ غَزِيرَةٌ، وَبِهِ تَتَبَيَّنُ مَعَانِي الْآيَاتِ، وَيُؤْمَنُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْمُشْكِلَاتِ. التَّصْنِيفُ فِيهِ: وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الزَّجَّاجُ قَدِيمًا كِتَابَ " الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ " وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَابْنُ عَبَّادٍ، وَالدَّانِيُّ، وَالْعُمَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
أَهَمِّيَّتُهُ: وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ، كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} (النِّسَاءِ: 83) قَالَ: فَانْقَطَعَ لَهُ الْكَلَامُ. وَاسْتَأْنَسَ لَهُ ابْنُ النَّحَّاسِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْخَطِيبِ: بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ حِينَ قَالَ: " وَمَنْ يَعْصِهِمَا " وَوَقَفَ، قَالَ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ كَلَامَهُ فَيَقُولَ: " وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى "، أَوْ يَقِفَ عَلَى " وَرَسُولِهِ فَقَدْ رَشَدَ " فَإِذَا كَانَ مَكْرُوهًا فِي الْخُطَبِ فَفِي كَلَامِ اللَّهِ أَشَدُّ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ نِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلٌّ كَافٍ شَافٍ؛ مَا لَمْ تُخْتَمْ آيَةُ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ، أَوْ آيَةُ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ. وَهَذَا تَعْلِيمٌ لِلتَّمَامِ؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَذَابِ وَالنَّارِ، وَتُفْصَلَ عَمَّا بَعْدَهَا نَحْوَ: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وَلَا تُوصَلَ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (الْبَقَرَةِ: 82)، وَكَذَا قَوْلُهُ: {حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} (غَافِرٍ: 6)، وَلَا تُوصَلُ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ}، وَكَذَا {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} (الشُّورَى: 8)، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَلَ بِقَوْلِهِ: (وَالظَّالِمُونَ)، وَقِسْ عَلَى هَذَا نَظَائِرَهُ.
وَهَذَا الْفَنُّ مَعْرِفَتُهُ تَحْتَاجُ إِلَى عُلُومٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ: " لَا يَقُومُ بِالتَّمَامِ إِلَّا نَحْوِيٌّ عَالِمٌ بِالْقِرَاءَاتِ، عَالِمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالْقَصَصِ، وَتَلْخِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، عَالِمٌ بِاللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ " وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَا عِلْمُ الْفِقْهِ، وَلِهَذَا: مَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ وَقَفَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} (النُّورِ: 4). فَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّحْوِ وَتَقْدِيرَاتِهِ، فَلِأَنَّ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (الْحَجِّ: 78) إِنَّهُ مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى " كَمِلَّةِ "، أَوْ أَعْمَلَ فِيهَا مَا قَبْلَهَا لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَمَنْ نَصَبَهَا عَلَى الْإِغْرَاءِ وَقَفَ عَلَى مَا قَبْلَهَا. وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} (الْكَهْفِ: 1) ثُمَّ يَبْتَدِئُ (قَيِّمًا)؛ لِئَلَّا يُتَخَيَّلَ كَوْنُهُ صِفَةً لَهُ؛ إِذِ الْعِوَجُ لَا يَكُونُ قَيِّمًا، وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ النَّحَّاسِ عَنْ قَتَادَةَ. وَهَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي آخِرِهِ هَاءٌ؛ فَإِنَّكَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ تُثْبِتُ الْهَاءَ إِذَا وَقَفْتَ، وَتَحْذِفُهَا إِذَا وَصَلْتَ، فَتَقُولُ: قِهْ وَعِهْ، وَتَقُولُ: قِ زَيْدًا، وَعِ كَلَامِي، فَأَمَّا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (كِتَابِيَهْ) (الْحَاقَّةِ: 19)، وَ (حِسَابِيَهْ) (الْحَاقَّةِ: 20)، وَ (سُلْطَانِيَهْ) (الْحَاقَّةِ: 29)، وَ (مَاهِيَهْ) (الْقَارِعَةِ: 10)، وَ (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (الْبَقَرَةِ: 259)، وَ (اقْتَدِهْ) (الْأَنْعَامِ: 90)، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ بِالْهَاءِ وَلَا يُوصَلُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي حُكْمِ الْعَرَبِيَّةِ إِسْقَاطُ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ؛ فَإِنْ أَثْبَتَهَا خَالَفَ الْعَرَبِيَّةَ، وَإِنْ حَذَفَهَا خَالَفَ مُرَادَ الْمُصْحَفِ، وَوَافَقَ كَلَامَ الْعَرَبِ، وَإِذَا هُوَ وَقَفَ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنَ الْخِلَافَيْنِ، وَاتَّبَعَ الْمُصْحَفَ وَكَلَامَ الْعَرَبِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَقَفَ وَجَوَّزُوا الْوَصْلَ فِي ذَلِكَ. قُلْنَا: أَتَوْا بِهِ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَصَّرُوا زَمَنَ الْفَصْلِ بَيْنَ النُّطْقَيْنِ، فَظَنَّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّهُمْ وَصَلُوا وَصْلًا مَحْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ: لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي (الْكَهْفِ: 38)، بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي حَالِ الْوَصْلِ، اتَّبَعُوا فِي إِثْبَاتِهَا خَطَّ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوهَا فِيهِ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ، فَلِهَذَا أَثْبَتُوهَا فِي حَالِ الْوَصْلِ، وَهُمْ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ. وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (الْمَائِدَةِ: 26) كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) كَانَ الْمَعْنَى مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَأَنَّ التِّيهَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَرَجَعَ فِي هَذَا إِلَى التَّفْسِيرِ، فَيَكُونُ بِحَسَبِ ذَلِكَ. وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: (مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) (يس: 52) ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) لِأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ. وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْنَى فَكَقَوْلِهِ: (قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (يُوسُفَ: 66) فَيَقِفُ عَلَى (قَالَ) وَقْفَةً لَطِيفَةً؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ كَوْنُ الِاسْمِ الْكَرِيمِ فَاعِلًا: قَالَ، وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَكَذَا يَجِبُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (يُونُسَ: 65) ثُمَّ يَبْتَدِئُ: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا). وَقَوْلُهُ: (فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا) (الْقَصَصِ: 35) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: " الْأَحْسَنُ الْوَقْفُ عَلَى (إِلَيْكُمَا)؛ لِأَنَّ إِضَافَةَ الْغَلَبَةِ إِلَى الْآيَاتِ أَوْلَى مِنْ إِضَافَةِ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الْعَصَا وَصِفَاتُهَا، وَقَدْ غَلَبُوا بِهَا السَّحَرَةَ، وَلَمْ تَمْنَعْ عَنْهُمْ فِرْعَوْنَ. وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) (الْأَعْرَافِ: 184)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: (مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ)؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ رَدٌّ لِقَوْلِ الْكُفَّارِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (الْحِجْرِ: 6)، وَقَالَ الدَّانِيُّ: إِنَّهُ وَقْفٌ تَامٌّ. وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هُودٍ: 119)، وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، أَيْ: لِأَنْ يَرْحَمَهُمْ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هُودٍ: 119): يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (هُودٍ: 119) يَعْنِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ، (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هُودٍ: 119)، أَيْ: لِرَحْمَتِهِ خَلَقَهُمْ. وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (يُوسُفَ: 29)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} فَإِنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أُمِرَ بِالْإِعْرَاضِ وَهُوَ الصَّفْحُ عَنْ جَهْلِ مَنْ جَهِلَ قَدْرَهُ، وَأَرَادَ ضُرَّهُ، وَالْمَرْأَةُ أُمِرَتْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِذَنْبِهَا؛ لِأَنَّهَا هَمَّتْ بِمَا يَجِبُ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ أُمِرَتْ بِهِ، وَلَمْ يَهِمَّ بِذَلِكَ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هَمَّ بِدَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِصْمَتِهِ، وَلِذَلِكَ أَكَّدَ أَيْضًا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} (يُوسُفَ: 24)، وَالِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ: (وَهَمَّ بِهَا)، وَذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَقَدْ قَالَ الدَّانِيُّ: إِنَّهُ كَافٍ، وَقِيلَ: تَامٌّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ؛ أَيْ: هَمَّ بِدَفْعِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ عَلَى: (هَمَّتْ بِهِ) كَالْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) (الْحَجِّ: 5)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: (وَهَمَّ بِهَا) كَالِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهِ: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ}. وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ مُرَاعَاةً لِلتَّنْزِيهِ عَلَى قَوْلِهِ: (وَهُوَ اللَّهُ) (الْأَنْعَامِ: 3)، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ " الْمُكْتَفِي " أَنَّهُ تَامٌّ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْمَعْنَى: وَهُوَ اللَّهُ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ حَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ فِي " كَشَّافِهِ الْقَدِيمِ " عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ فِي قَوْلِهِ: {مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (الْبَقَرَةِ: 14 وَ15) قَالَ: لَيْسَ مُسْتَهْزِئُونَ بِوَقْفٍ صَالِحٍ، لَا أُحِبُّ اسْتِئْنَافَ (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)، وَلَا اسْتِئْنَافَ، {وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آلِ عِمْرَانَ: 54) حَتَّى أَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ إِسْنَادُ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمَكْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، فَإِذَا اسْتَأْنَفْتَ وَقَطَعْتَ الثَّانِيَ مِنَ الْأَوَّلِ أَوْهَمَ أَنَّكَ تُسْنِدُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا، وَالْحُكْمُ فِي صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ تُصَانَ عَنِ الْوَهْمِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آلِ عِمْرَانَ: 7) قَالَ صَاحِبُ " الْمُكْتَفَى ": إِنَّهُ تَامٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّاسِخِينَ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَيُصَدِّقُهُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: " وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ ". وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} (الْبَقَرَةِ: 116)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: (سُبْحَانَهُ)، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ تَامٌّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي تَعَقَّبَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِ " الْمُكْتَفِي "، وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِيهِ مَوَاقِفَ كَثِيرَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِمْ: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)، ثُمَّ رَدَّ قَوْلَهُمْ وَنَزَّهَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: (سُبْحَانَهُ) فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} (مُحَمَّدٍ: 25)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: وَأُمْلِي لَهُمْ قَالَ صَاحِبُ " الْمُكْتَفِي ": سَوَّلَ لَهُمْ كَافٍ، سَوَاءٌ قُرِئَ (وَأُمْلِيَ لَهُمْ) عَلَى مَا يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَوْ (وَأُمْلِي لَهُمْ) عَلَى الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّ الْإِمْلَاءَ فِي كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ) (الْحَجِّ: 44) فَيَحْسُنُ قَطْعُهُ، مِنَ التَّسْوِيلِ الَّذِي هُوَ مُسْنَدٌ إِلَى الشَّيْطَانِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ قَطْعُهُ بِالْوَقْفِ لِيُفْصَلَ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ، وَلَقَدْ نَبَّهَ بَعْضُ مَنْ وَصَلَهُ عَلَى حُسْنِ هَذَا الْوَقْفِ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ الْوَصْلَ هُوَ الْأَصْلُ. وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} (الْحَدِيدِ: 27)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرَّهْبَانِيَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ، أَيْ: خَلَقَ، كَمَا جَعَلَ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ ابْتَدَعُوهَا فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصَّافَّاتِ: 96) هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ نُسِبَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ إِلَى مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ بِقَوْلِهِ فِي " الْإِيضَاحِ " حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: " أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهَا عَلَى جَعَلْنَا مَعَ وَصْفِهَا بِقَوْلِهِ: (ابْتَدَعُوهَا)؛ لِأَنَّ مَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ لَا يَبْتَدِعُونَهُ " فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بِالْوَقْفِ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ. وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} (التَّحْرِيمِ: 4)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أَيْ: مُعِينُونَ لَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً. وَأَمَّا احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ بِالْقِرَاءَاتِ فَلِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ: {وَيَقُولُونَ حَجْرًا مَحْجُورًا} (الْفُرْقَانِ: 22) بِفَتْحِ الْحَاءِ، كَانَ هَذَا التَّمَامَ عِنْدَهُ، وَإِنْ ضَمَّ الْحَاءَ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ، فَالْوَقْفُ عِنْدَ (حُجْرًا) لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمْ شِدَّةٌ قَالَ: " حُجْرًا " فَقِيلَ لَهُمْ: " مَحْجُورًا "؛ أَيْ: لَا تُعَاذُونَ كَمَا كُنْتُمْ تُعَاذُونَ فِي الدُّنْيَا، حَجَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِذَا قَرَأَ: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (الْمَائِدَةِ: 45) إِلَى قَوْلِهِ: (قِصَاصٌ) فَهُوَ التَّامُّ إِذَا نَصَبَ (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)، وَمَنْ رَفَعَ فَالْوَقْفُ عِنْدَ: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)، وَتَكُونُ (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) ابْتِدَاءَ حُكْمٍ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَمَا قَبْلَهُ فِي التَّوْرَاةِ. الْوَقْفُ عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ يَبْتَغُونَ فِي الْوَقْفِ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأْسَ آيَةٍ، وَنَازَعَهُمْ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ، قَالَ: هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ، فَيَقُولُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الْفَاتِحَةِ: 2)، وَيَقِفُ ثُمَّ يَقُولُ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الْفَاتِحَةِ: 3)، وَهَكَذَا رَوَتْ أَمُّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، وَمَعْنَى هَذَا الْوَقْفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَأَكْثَرُ أَوَاخِرِ الْآيِ فِي الْقُرْآنِ تَامٌّ أَوْ كَافٍ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ الْآيِ، نَحْوَ الْوَاقِعَةِ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ؛ أَعْنِي الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ إِلَى تَتَبُّعِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ، وَالْوَقْفِ عِنْدَ رُءُوسِ انْتِهَائِهَا، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى. وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَغَيْرِهِ، وَرَجَّحَ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا. قُلْتُ: وَحَكَى النَّحَّاسُ عَنِ الْأَخْفَشِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِهِ: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (الْبَقَرَةِ: 2)؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ.
وَالْوَقْفُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ يَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: تَامٌّ مُخْتَارٌ، وَكَافٍ جَائِزٌ، وَحَسَنٌ مَفْهُومٌ، وَقَبِيحٌ مَتْرُوكٌ. وَقَسَّمَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَأَسْقَطَ الْحَسَنَ. وَقَسَّمَهُ آخَرُونَ إِلَى اثْنَيْنِ، وَأَسْقَطَ الْكَافِيَ وَالْحَسَنَ. فَالتَّامُّ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا بَعْدَهُ، فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الْبَقَرَةِ: 5)، وَأَكْثَرُ مَا يُوجَدُ عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ كَقَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الْبَقَرَةِ: 5) ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (الْبَقَرَةِ: 6)، وَكَذَا: {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (الْبَقَرَةِ: 46) ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الْبَقَرَةِ: 47). وَقَدْ يُوجَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْفَاصِلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} (النَّمْلِ: 34) هُنَا التَّمَامُ؛ لِأَنَّهُ انْقَضَى كَلَامُ بِلْقِيسَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (النَّمْلِ: 34)، وَهُوَ رَأْسُ الْآيَةِ. كَذَلِكَ {عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} هُوَ التَّمَامُ؛ لِأَنَّهُ انْقِضَاءُ كَلَامِ الظَّالِمِ الَّذِي هُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}، وَهُوَ رَأْسُ آيَةٍ. وَقَدْ يُوجَدُ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} (الصَّافَّاتِ: 137 وَ 138)، (مُصْبِحِينَ) رَأْسُ الْآيَةِ، (وَبِاللَّيْلِ) التَّمَامُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ: وَالصُّبْحُ وَبِاللَّيْلِ. وَكَذَلِكَ {يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا} (الزُّخْرُفِ: 34 وَ35) رَأْسُ الْآيَةِ: يَتَّكِئُونَ،، وَزُخْرُفًا هُوَ التَّمَامُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: {سُقُفًا} (الزُّخْرُفِ: 33). وَآخِرُ كُلِّ قِصَّةٍ وَمَا قَبْلَ أَوَّلِهَا، وَآخِرُ كُلِّ سُورَةٍ تَامٌّ، وَالْأَحْزَابُ، وَالْأَنْصَافُ، وَالْأَرْبَاعُ، وَالْأَثْمَانُ، وَالْأَسْبَاعُ، وَالْأَتْسَاعُ، وَالْأَعْشَارُ، وَالْأَخْمَاسُ. وَقَبْلَ يَاءِ النِّدَاءِ وَفِعْلِ الْأَمْرِ وَالْقَسَمِ وَلَامِهِ دُونَ الْقَوْلِ، وَ " اللَّهُ " بَعْدَ رَأْسِ كُلِّ آيَةٍ، وَالشَّرْطُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ جَوَابُهُ، وَ " كَانَ اللَّهُ " وَ " ذَلِكَ " وَ " لَوْلَا " غَالِبُهُنَّ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُنَّ قَسَمٌ أَوْ قَوْلٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَالْكَافِي مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ فِي الْقُرْآنِ مُنْقَطِعٌ فِي اللَّفْظِ مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى، فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ أَيْضًا بِمَا بَعْدَهُ نَحْوَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (النِّسَاءِ: 23) هُنَا الْوَقْفُ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا بَاقِي الْمَعْطُوفَاتِ، وَكُلُّ رَأْسِ آيَةٍ بَعْدَهَا " لَامُ كَيْ " وَ " إِلَّا " بِمَعْنَى " لَكِنْ " وَ " إِنَّ " الْمَكْسُورَةُ الْمُشَدَّدَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ، وَ " بَلْ " وَ " أَلَا " الْمُخَفَّفَةُ، وَ " السِّينُ " وَ " سَوْفَ " عَلَى التَّهَدُّدِ، وَ " نِعْمَ " وَ " بِئْسَ " وَ " كَيْلَا "، وَغَالِبُهُنَّ كَافٍ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُنَّ قَوْلٌ أَوْ قَسَمٌ، وَقِيلَ: " أَنْ " الْمَفْتُوحَةُ الْمُخَفَّفَةُ فِي خَمْسَةٍ لَا غَيْرَ: " الْبَقَرَةِ " {وَأَنْ تَصُومُوا} (الْآيَةَ: 184)، {وَأَنْ تَعْفُوا} الْآيَةَ: 237)، {وَأَنْ تَصَدَّقُوا} (الْآيَةَ: 280)، وَ " النِّسَاءِ " {وَأَنْ تَصْبِرُوا} (الْآيَةَ: 25)، وَ " النُّورِ " {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} (الْآيَةَ: 60). وَالْحَسَنُ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الَّذِي يَحْسُنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، لِتَعَلُّقِهِ بِهِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَفْهُومٌ، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لَا يَحْسُنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْرُورٌ، وَالِابْتِدَاءُ بِالْمَجْرُورِ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ. وَالْقَبِيحُ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ، نَحْوَ: {الْحَمْدُ} فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْمَوْصُوفِ دُونَ الصِّفَةِ، وَلَا عَلَى الْبَدَلِ دُونَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَلَا عَلَى الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ نَحْوَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ} (الْحَاقَّةِ: 4)، وَلَا عَلَى الْمَجْرُورِ دُونَ الْجَارِّ. وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا} (الْمَائِدَةِ: 17)، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ} (الْأَنْبِيَاءِ: 29)، وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (الْمَائِدَةِ: 17)، {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (الْمَائِدَةِ: 73)، {إِنِّي إِلَهٌ} (الْأَنْبِيَاءِ: 29)؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَسْتَحِيلُ بِهَذَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَمَنْ تَعَمَّدَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ فَقَدْ كَفَرَ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُبْحِ الْوَقْفُ عَلَى {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ} (الْبَقَرَةِ: 258)، وَ {مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ} (النَّحْلِ: 60)، وَشَبَهُهُ، وَمِثْلُهُ: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} (النِّسَاءِ: 11)، وَ {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى} (الْأَنْعَامِ: 36). وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا وَأَشْنَعُ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْيِ دُونَ حُرُوفِ الْإِيجَابِ نَحْوَ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (مُحَمَّدٍ: 19)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (الْإِسْرَاءِ: 105)، وَكَذَا {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} (الْمَائِدَةِ: 9 وَ10)، وَ {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (مُحَمَّدٍ: 1 وَ2)، فَإِنِ اضْطُرَّ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ جَازَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَا قَبْلَهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا حَرَجَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ تَعَلَّقَتِ الْآيَةُ بِمَا قَبْلَهَا تَعَلُّقًا لَفْظِيًّا كَانَ الْوَقْفُ كَافِيًا نَحْوَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} (الْفَاتِحَةِ: 6 وَ7)، وَإِنْ كَانَ مَعْنَوِيًّا فَالْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا حَسَنٌ كَافٍ، نَحْوَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الْفَاتِحَةِ: 2)، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا فَتَامٌّ، كَقَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الْبَقَرَةِ: 274)، بَعْدَهُ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (الْبَقَرَةِ: 275)، وَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ مُضَادَّةً لِمَا قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} (غَافِرٍ: 6 وَ7)، فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ قَبِيحٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْفَ الْوَاجِبِ إِذَا وَقَفْتَ قَبْلَ " وَاللَّهُ " ثُمَّ ابْتَدَأْتَ بِـ (وَاللَّهُ)، وَهُوَ الْوَقْفُ الْوَاجِبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} (الْبَقَرَةِ: 19). وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: الْجُمْلَةُ التَّأْلِيفِيَّةُ إِذَا عُرِفَتْ أَجْزَاؤُهَا وَتَكَرَّرَتْ أَرْكَانُهَا كَانَ مَا أَدْرَكَهُ الْحِسُّ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ فَلَهُ أَنْ يَقِفَ كَيْفَ شَاءَ، وَسَوَاءٌ التَّامٌّ وَغَيْرُهُ؛ إِلَّا أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْأَتَمِّ وَمَا يُقَدَّرُ بِهِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَضْرُبٍ: تَامٍّ، وَشَبِيهٍ بِهِ، وَنَاقِصٍ، وَشَبِيهٍ بِهِ، وَحَسَنٍ، وَشَبِيهٍ بِهِ، وَقَبِيحٍ، وَشَبِيهٍ بِهِ، وَصَنَّفُوا فِيهِ تَصَانِيفَ، فَمِنْهَا مَا أَثَرُوهُ عَنِ النُّحَاةِ، وَمِنْهَا مَا أَثَرُوهُ عَنِ الْقُرَّاءِ، وَمِنْهَا مَا اسْتَنْبَطُوهُ، وَمِنْهَا مَا اقْتَدَوْا فِيهِ بِالسُّنَّةِ فَقَطْ؛ كَالْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْآيِ، وَهِيَ مَوَاقِفُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ تَقْدِيرَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّامَّ، وَالنَّاقِصَ، وَالْحَسَنَ، وَالْقَبِيحَ، وَتَسْمِيَتَهُ بِذَلِكَ بِدَعَةٌ، وَمُتَعَمِّدُ الْوَقْفِ عَلَى نَحْوِهِ مُبْتَدِعٌ، قَالَ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ، وَهُوَ كَالْقِطْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكُلُّهُ قُرْآنٌ وَبَعْضُهُ قُرْآنٌ، وَكُلُّهُ تَامٌّ حَسَنٌ، وَبَعْضُهُ تَامٌّ حَسَنٌ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بُرْهَانٍ النَّحْوِيُّ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ لَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَلَا عَلَى الرَّافِعِ دُونَ الْمَرْفُوعِ، وَلَا عَلَى الْمَرْفُوعِ دُونَ الرَّافِعِ، وَلَا عَلَى النَّاصِبِ دُونَ الْمَنْصُوبِ وَلَا عَكْسِهِ، وَلَا عَلَى الْمُؤَكَّدِ دُونَ التَّأْكِيدِ، وَلَا عَلَى الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا دُونَ اسْمِهَا، وَلَا عَلَى اسْمِهَا دُونَ خَبَرِهَا، وَكَذَا ظَنَنْتُ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا عَلَى الْمُفَسَّرِ عَنْهُ دُونَ التَّفْسِيرِ، وَلَا عَلَى الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ دُونَ الْمُتَرْجَمِ، وَلَا عَلَى الْمَوْصُولِ دُونَ صِلَتِهِ، وَلَا عَلَى حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ دُونَ مَا اسْتُفْهِمَ بِهِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ دُونَ الْفِعْلِ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى الَّذِي يَلِيهِ دُونَ الْجَوَابِ. وَجَوَّزَ أَبُو عَلِيٍّ الْوَقْفَ عَلَى مَا قَبْلَ " إِلَّا " إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى " لَكِنْ "؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الْأَنْعَامِ: 119)، وَكَقَوْلِهِ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} (اللَّيْلِ: 20)، وَ {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (النِّسَاءِ: 157)، وَنَحْوِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَجُوزُ الْوَقْفُ دُونَ {إِلَّا خَطَأً} (النِّسَاءِ: 92)، {إِلَّا اللَّمَمَ} (النَّجْمِ: 32)، {إِلَّا سَلَامًا} (مَرْيَمَ: 62)؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: لَكِنْ يَقَعُ خَطَأً، وَلَكِنْ قَدْ يُلَمُّ، وَلَكِنْ يُسَلِّمُونَ سَلَامًا، وَجَمِيعُهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُبْدَلِ دُونَ الْبَدَلِ إِذَا كَانَ مَنْصُوبًا، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا جَازَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ تَعَلُّقُهُ بِمَا قَبْلَهُ كَتَعَلُّقِ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ أَوْ أَقْوَى لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.
فَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الصِّفَةِ وَأَحْوَالِهَا فَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْفِ فِي الْقُرْآنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلِاخْتِصَاصِ؛ فَيَمْتَنِعُ الْوَقْفُ عَلَى مَوْصُوفِهَا دُونَهَا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلْمَدْحِ؛ فَيَجُوزُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الرُّمَّانِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (الْبَقَرَةِ: 155) قَالَ: وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَعَامِلُ الصِّفَةِ فِي الْمَدْحِ غَيْرُ عَامِلِ الْمَوْصُوفِ، فَلِهَذَا جَازَ قَطْعُهَا عَمَّا قَبْلَهَا، بِخِلَافِ الِاخْتِصَاصِ، فَإِنَّ عَامِلَهَا عَامِلُ الْمَوْصُوفِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ.
لَا خِلَافَ فِي التَّسَامُحِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ دُونَ الْمُسْتَثْنَى إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا، وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ مُطْلَقًا، وَفَصَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي " أَمَالِيهِ " فَقَالَ: يَجُوزُ إِنْ صُرِّحَ بِالْخَبَرِ، وَلَا يَجُوزُ إِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا صُرِّحَ بِالْخَبَرِ اسْتَقَلَّتِ الْجُمْلَةُ وَاسْتَغْنَتْ عَمَّا قَبْلَهَا، وَإِذَا لَمْ يُصَرَّحُ بِهِ كَانَتْ مُفْتَقِرَةً إِلَى مَا قَبْلَهَا، قَالَ: وَوَجْهُ مَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا أَنَّهُ فِي مَعْنَى مُبْتَدَأٍ حُذِفَ خَبَرُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِثْلَ قَوْلِنَا: زَيْدٌ، لِمَنْ قَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ تَقْدِيرَ الْمُنْقَطِعِ فِي قَوْلِكَ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا الْحَارِثُ؛ لَكِنَّ الْحَارِثَ فِي الدَّارِ، وَلَوْ قُلْتَ: لَكِنَّ الْحَارِثَ، مُبْتَدِئًا بِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَكَانَ حَسَنًا؛ أَلَا تَرَى إِلَى جَوَازِ الْوَقْفِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مِثْلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} (يُونُسَ: 44)، وَالِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهِ: {، وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ مَا رَأَى مِنِ احْتِيَاجِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ إِلَى مَا قَبْلَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدِ اسْتِعْمَالُ " إِلَّا " وَمَا فِي مَعْنَاهَا إِلَّا مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهَا لَفْظًا، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ غَيْرُ حِمَارٍ، فَوَقَفْتَ عَلَى مَا قَبْلَ " غَيْرُ " وَابْتَدَأْتَ بِهِ كَانَ قَبِيحًا، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُشْعِرٌ بِتَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا الْحِمَارُ، هُوَ الَّذِي صَحَّحَ قَوْلَكَ: " إِلَّا الْحِمَارُ " أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: " إِلَّا الْحِمَارُ " عَلَى انْفِرَادِهِ كَانَ خَطَأً.
اخْتُلِفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجُمْلَةِ النِّدَائِيَّةِ، فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالْمُحَقِّقُونَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ، وَمَا بَعْدَهَا جُمْلَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ هِيَ فِي الْمَعْنَى.
جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ " الَّذِينَ " وَ " الَّذِي " وَتُعَلُّقُهُ بِالْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ يَجُوزُ فِيهِ الْوَصْلُ بِمَا قَبْلَهُ نَعْتًا لَهُ، وَالْقَطْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ؛ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا هُوَ الْمُعَيَّنُ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} (الْبَقَرَةِ: 121). الثَّانِي: قَوْلُهُ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ {فِي " الْبَقَرَةِ " (الْآيَةَ: 146)،. الثَّالِثُ: فِي " الْأَنْعَامِ " كَذَلِكَ (الْآيَةَ: 20). الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ} (الْبَقَرَةِ: 275). الْخَامِسُ: فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} (الْآيَةَ: 20). السَّادِسُ: قَوْلُهُ فِي سُورَةِ " الْفُرْقَانِ ": {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} (الْآيَةَ: 34)،. السَّابِعُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ " حم الْمُؤْمِنِ ": {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} (غَافِرٍ: 6 وَ7). وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّاسِ: " يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الْقَارِئُ عَلَى الْمَوْصُوفِ، وَيَبْتَدِئَ {الَّذِي يُوَسْوِسُ} إِنْ جَعَلَهُ عَلَى الْقَطْعِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلَهُ صِفَةً ". وَهَذَا يَرْجِعُ لِمَا سَبَقَ عَنِ الرُّمَّانِيِّ مِنَ الْفَصْلِ بِالصِّفَةِ بَيْنَ التَّخْصِيصِيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ. وَجَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ حِكَايَةُ الْقَوْلِ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ ". وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} (يُونُسَ: 65)، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَقْفُ هُنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} لَيْسَ مِنْ مَقُولِهِمْ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الدَّهَّانَ يَقُولُ: حَيْثُ كَانَ فِيهِ إِضْمَارٌ مِنَ الْقُرْآنِ حَسُنَ الْوَقْفُ مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} (الشُّعَرَاءِ: 63) فَيَحْسُنُ الْوَقْفُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إِضْمَارًا تَقْدِيرُهُ: فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ.
لَخَّصْتُهُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ " الْمُسْتَوْفَى " فِي الْعَرَبِيَّةِ: قَالَ: تَقْسِيمُهُمُ الْوَقْفَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ إِلَى الْجَوْدَةِ وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْكِفَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْقِسْمَةُ بِهَا صَحِيحَةً مُسْتَوْفَاةً عَلَى مُسْتَعْمِلِهَا، وَقَدْ حَصَلَ لِقَائِلِهَا مِنَ التَّشْوِيشِ مَا إِذَا شِئْتَ وَجَدْتَهُ فِي كُتُبِهِمُ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْوُقُوفِ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: الْوَقْفُ ضَرْبَانِ اضْطِرَارِيٌّ وَاخْتِيَارِيٌّ. فَالِاضْطِرَارِيُّ الْوَقْفُ الِاضْطِرَارِيُّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ انْقِطَاعُ النَّفَسِ فَقَطْ؛ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ مَوْضِعًا دُونَ مَوْضِعٍ؛ حَتَّى إِنَّ حَمْزَةَ كَانَ يَقِفُ فِي حَرْفِهِ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ تَقَعُ فِيهَا الْهَمْزَةُ مُتَوَسِّطَةً أَوْ مُتَطَرِّفَةً إِذَا أَرَادَ تَسْهِيلَهَا؛ وَحَتَّى إِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ} (الْبَقَرَةِ: 207) قَالُوا: وَقَفَ هُنَا بِالتَّاءِ عَلَى نَحْوِ جَاءَنِي " طَلْحَتُ " إِشْعَارًا بِأَنَّ الْكَلَامَ لَمْ يَتِمَّ عِنْدَ ذَاكَ، وَكَوَقْفِهِ عَلَى إِلَى مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى} (الْبَقَرَةِ: 14) بِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا، كَهَذِهِ الصُّورَةِ " خَلَوْ لَى "، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ فِي الْمَنْظُومِ مِنَ الْقَوْلِ حَيْثُ شِئْتَ، وَهَذَا هُوَ أَحْسَنُ الْوَقْفَيْنِ. وَالِاخْتِيَارِيُّ الْوَقْفُ الِاخْتِيَارِيُّ وَأَقْسَامُهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَهُوَ أَفْضَلُهُمَا؛ هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ انْفِصَالِ مَا بَيْنَ جُزْأَيِ الْقَوْلِ، وَيَنْقَسِمُ بِانْقِسَامِ الِانْفِصَالِ أَقْسَامًا: الْأَوَّلُ: التَّامُّ؛ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِحَيْثُ يَسْتَغْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جُزْأَيِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَكْتَنِفَانِهِ عَنِ الْآخَرِ؛ كَالْوَقْفِ عَلَى: (نَسْتَعِينُ) (الْفَاتِحَةِ: 5)، مِنْ قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وَالْآخَرُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الْفَاتِحَةِ: 6) مُسْتَغْنٍ عَنِ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ الْإِفَادَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالتَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ. الثَّانِي: النَّاقِصُ؛ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ مُسْتَغْنِيًّا عَمَّا بَعْدَهُ؛ وَلَا يَكُونُ مَا بَعْدَهُ مُسْتَغْنِيًا عَمَّا قَبْلَهُ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْتَقِيمِ مِنْ قَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الْفَاتِحَةِ: 6)، وَلِأَنَّ لَكَ أَنْ تَسْكُتَ عَلَى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ مُبْتَدِئًا: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَةِ: 7). فَإِنْ قِيلَ: وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ هَاهُنَا الْفِعْلُ الَّذِي يَنْتَصِبُ بِهِ صِرَاطَ؟. قُلْنَا: أَوَّلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قَدَّرْتَ الْفِعْلَ قَبْلَ صِرَاطَ لَمْ تَكُنْ مُبْتَدِئًا بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، ثُمَّ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ الْوَقْفُ تَامًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهِ يَسْتَغْنِي حِينَئِذٍ عَنِ الْآخَرِ، وَالنَّحْوِيُّونَ يَكْرَهُونَ الْوَقْفَ النَّاقِصَ فِي التَّنْزِيلِ مَعَ إِمْكَانِ التَّامِّ، فَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَقْفٌ تَامٌّ حَسُنَ الْأَخْذُ بِالنَّاقِصِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ} (الْجِنِّ: 1) إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الْجِنِّ: 18) إِنْ كَسَرْتَ بَعْدَهُ إِنَّ، فَإِنْ فَتَحْتَهَا فَإِلَى قَوْلِهِ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (الْجِنِّ: 19)؛ لِأَنَّ الْأَوْجَهَ فِي أَنَّ فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْمُولَةً عَلَى أُوحِيَ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ جَعْلِ الْوَقْفِ التَّامِّ (حَطَبًا) (الْجِنِّ: 5)، وَحُمِلَ: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} (الْجِنِّ: 16) عَلَى الْقَسَمِ، فَاضْطَرَّ فِي}، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (الْجِنِّ: 18) إِلَى أَنْ جَعَلَ التَّقْدِيرَ: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي فَتْحِ أَنَّ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَ قَوْلِهِ: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (الْجِنِّ: 1 وَ2) فَلِمَ لَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَ الْوَقْفَ التَّامَّ (حَطَبًا) (الْجِنِّ: 15) أَلَّا يَقِفَ قَبْلَهُ عَلَى هَذِهِ الْجُمَلِ فِي كَسْرِ إِنَّ فِي أَوَّلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا؟. قُلْنَا: لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمَلَ دَاخِلَةٌ فِي الْقَوْلِ، وَمَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْقَوْلِ لَا يَتِمُّ الْوَقْفُ دُونَهُ، كَمَا أَنَّ الْمَعْطُوفَ إِذَا تَبِعَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ فِي إِعْرَابِهِ الظَّاهِرِ وَالْمُقَدَّرِ لَا يَتَقَدَّمُهُ الْوَقْفُ تَامًّا. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ الْفَصْلُ بِالْمَكْسُورَاتِ بَيْنَ {أَنَّهُ اسْتَمَعَ}، وَبَيْنَ {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} (الْجِنِّ: 19) فِيمَنْ فَتَحَهُمَا، وَقَدْ عَطَفَ بِالثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى. قِيلَ: أَمَّا عِنْدَنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَصْلٍ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ {إِنَّا سَمِعْنَا} مِنَ الْمَكْسُورَاتِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ أَعْنِي فَقَالُوا مَعْطُوفٌ عَلَى (اسْتَمَعَ)، وَ (اسْتَمَعَ) مِنْ صِلَةِ " أَنَّ " الْأُولَى الْمَفْتُوحَةَ، فَالْمَكْسُورَاتُ تَكُونُ فِي خَبَرِ الْمَفْتُوحَةِ الْأُولَى، فَيُعْطَفُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَهَا، وَالثَّانِيَةُ عِنْدَنَا هِيَ الْمُخَفَّفَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} (الْجِنِّ: 16) ثُمَّ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}. ثُمَّ إِنْ فَتَحْتَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} (الْجِنِّ: 19) رَابِعَةٌ تَابِعَةٌ؛ فَإِنْ فَتَحْتَ الَّتِي بَعْدَ سَمِعْنَا كَانَتْ هِيَ وَاللَّوَاتِي بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ: (حَطَبًا) (الْجِنِّ: 15) دَاخِلَةٌ فِي الْقَوْلِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ تُعَدُّ بَعْدَهَا عَلَى النَّسَقِ. وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (التَّكْوِيرِ: 1) إِلَى قَوْلِهِ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} (التَّكْوِيرِ: 14)، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. الثَّالِثُ: الْأَنْقَصُ؛ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْفِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَمَثَّلَ لَهُ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هُودٍ: 111)، وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {لَكِنْ هُوَ اللَّهُ} (الْكَهْفِ: 38)، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّامَّ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مُهْلَةٌ وَتَرَاخٍ فِي اللَّفْظِ، وَالنَّاقِصُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ بَيْنَ جُزْأَيِ الْقَوْلِ إِلَّا قَلِيلُ لُبْثٍ، وَالَّذِي دُونَهُمَا لَا لُبْثَ فِيهِ وَلَا مُهْلَةَ أَصْلًا. ثُمَّ إِنَّ كُلًّا مِنَ التَّامِّ وَالنَّاقِصِ يَنْقَسِمُ فِي ذَاتِهِ أَقْسَامًا، فَالتَّامُّ أَتَمُّهُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ اللَّاحِقُ فِيهِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ بِالسَّابِقِ مَعْنًى، كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَفْظًا، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الشُّورَى: 48 وَ49)، وَشَأْنُ مَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالْآخَرِ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَفْظًا، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (يس: 30)، وَتَعَلُّقُ الثَّانِي فِيهِ بِالْأَوَّلِ تَعَلُّقُ الْحَالِ بِذِي الْحَالِ مَعْنًى. وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (الْأَنْبِيَاءِ: 52) إِلَى قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} (الْأَنْبِيَاءِ: 58) إِلَى قَوْلِهِ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (الْأَنْبِيَاءِ: 63) فَهَذِهِ الْحَالُ قَدْ عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَعْنَى، وَظَاهِرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الِاسْتِئْنَافُ فِي اللَّفْظِ. وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا} (الزُّخْرُفِ: 21 وَ22)، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ (بَلْ) لَا يُبْتَدَأُ بِهَا. وَنَحْوَ قَوْلِهِ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} (الْوَاقِعَةِ: 7) فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ لَفْظًا إِذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، لَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مَعْنًى، وَتَعَلُّقُهُ قَرِيبٌ مِنْ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ إِلَى قَوْلِهِ: {، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (الْوَاقِعَةِ: 94). وَنَحْوَ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} (الْحَجِّ: 1)؛ فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ تَامٌّ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِالْأَتَمِّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهَا، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَقِسْ عَلَى هَذَا مَا سِوَاهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَرُ أَنْوَاعِ الْوُقُوفِ اسْتِعْمَالًا، وَلَيْسَ إِذَا حَاوَلْتَ بَيَانَ قِصَّةٍ وَجَبَ عَلَيْكَ أَلَّا تَقِفَ إِلَّا فِي آخِرِهَا؛ لِيَكُونَ الْوَقْفُ الْقَوْلَ عَلَى الْأَتَمِّ؛ وَمِنْ ثَمَّ أَتَى بِهِ مَنْ جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى عَلَيْكُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (النِّسَاءِ: 24) غَيْرَ تَامٍّ.
يَحْسُنُ الْوَقْفُ النَّاقِصُ بِأُمُورٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لِضَرْبٍ مِنَ الْبَيَانِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا} (الْكَهْفِ: 1 وَ2) إِذْ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَيِّمًا مُنْفَصِلٌ عَنْ عِوَجًا وَإِنَّهُ حَالٌ فِي نِيَّةِ التَّقَدُّمِ. وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} (النِّسَاءِ: 23) لِيَفْصِلَ بِهِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ النَّسَبِيِّ وَالسَّبَبِيِّ. قُلْتُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} (يس: 52) لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَقُولِهِمْ. وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} (الْكَهْفِ: 3 وَ4)، وَنَحْوُهُ: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا} (الْأَنْعَامِ: 155 وَ156)، وَكَانَ نَافِعٌ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 55 وَ56). وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ صُورَتُهُ فِيَ اللَّفْظِ صُورَةَ الْوَصْلِ بِعَيْنِهَا، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى} (الْمَعَارِجِ: 15- 18). وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَقْفِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الْوَقْفُ صِيغَةً، كَقَوْلِهِ: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} (الْحَاقَّةِ: 25 وَ26). هَذَا فِي النَّاقِصِ؛ وَمِثَالُهُ فِي التَّامِّ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} (الْقَارِعَةِ: 10 وَ11).
مِنْ خَوَاصِّ التَّامِّ الْمُرَاقَبَةُ، الْوَقْفُ التَّامُّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ لَهُ مَقْطَعَانِ عَلَى الْبَدَلِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا فُرِضَ فِيهِ الْوَقْفُ وَجَبَ الْوَصْلُ فِي الْآخَرِ، وَإِذَا فُرِضَ فِيهِ الْوَصْلُ وَجَبَ الْوَقْفُ فِي الْآخَرِ، كَالْحَالِ بَيْنَ (حَيَاةٍ) وَبَيْنَ (أَشْرَكُوا) مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} (الْبَقَرَةِ: 96) فَإِنَّكَ إِنْ جَعَلْتَ الْقَطْعَ عَلَى حَيَاةٍ وَجَبَ أَنْ تَبْتَدِئَ فَتَقُولَ: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} عَلَى الْوَصْلِ؛ لِأَنَّ يَوَدُّ صِفَةٌ لِلْفَاعِلِ فِي مَوْضِعِهِ، فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ دُونَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلَ الْمَقْطَعَ أَشْرَكُوا، وَجَبَ أَنْ يَصِلَ عَلَى حَيَاةٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَأَحْرَصَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ. وَمِنْهُ أَيْضًا مَا تَرَاهُ بَيْنَ (لَا رَيْبَ) (الْبَقَرَةِ: 2)، وَبَيْنَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَا رَيْبَ فِيهِ).
يَنْقَسِمُ النَّاقِصُ بِانْقِسَامِ مَا مَرَّ مِنَ التَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، الْوَقْفُ النَّاقِصُ فَكُلَّمَا كَانَ التَّعَلُّقُ أَشَدَّ وَأَكْثَرَ كَانَ الْوَقْفُ أَنْقَصَ، وَكُلَّمَا كَانَ أَضْعَفَ وَأَوْهَى كَانَ الْوَقْفُ أَقْرَبَ إِلَى التَّمَامِ، وَالتَّوَسُّطُ يُوجِبُ التَّوَسُّطَ. فَمِنْ وَكِيدِ التَّعَلُّقِ مَا يَكُونُ بَيْنَ تَوَابِعِ الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ مَتْبُوعَاتِهَا؛ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُتَمَحَّلَ لَهَا فِي إِعْرَابِهَا وَجْهٌ غَيْرُ الْإِتْبَاعِ، وَمِنْ ثَمَّ ضُعِّفَ الْوَقْفُ عَلَى {مُنْتَصِرِينَ} مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ وَقَوْمَ نُوحٍ} (الذَّارِيَاتِ: 43- 46) فِيمَنْ جَرَّ غَايَةَ الضَّعْفِ. وَضُعِّفَ عَلَى أَثِيمٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (ن: 10- 13). وَضُعِّفَ عَلَى (بِهِ) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (النِّسَاءِ: 123). وَضُعِّفَ عَلَى (أَبَدًا) مِنْ قَوْلِهِ: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} (الْكَهْفِ: 3 وَ4). عَلَى أَنَّ هَذِهِ الطَّبَقَةَ مِنَ التَّعَلُّقِ قَدْ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنَ التَّعَلُّقِ مَا بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَوْهَى مِنْ هَذَا التَّعَلُّقِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَبَيْنَ مَا يَنْتَصِبُ عَنْهُ مِنَ الزَّوَائِدِ الَّتِي لَا يُخِلُّ حَذْفُهَا بِالْكَلَامِ كَبِيرَ إِخْلَالٍ، كَالظَّرْفِ وَالتَّمْيِيزِ وَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ: عَجَبًا مِنْ قَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} (الْكَهْفِ: 9 وَ10) أَوْ هِيَ مِنَ الْوُقُوفِ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنْ وَسَّطْتَ بَيْنَ التَّعَلُّقِ بِالْمَذْكُورِ مِنَ الْمُتَعَلِّقِ الَّذِي لِلْمَفْعُولِ أَوِ الْحَالِ الْمُخَصِّصَةِ، أَوِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِسُقُوطِهِ الْمَعْنَى وَانْتَصَبَ، كَانَ لَكَ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ: مَسْغَبَةٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} (الْبَلَدِ: 14 وَ15)، وَعَلَى نَحْوِ: قَلِيلًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ} (النِّسَاءِ: 142 وَ143)، وَعَلَى نَحْوِ: مَصِيرًا مِنْ قَوْلِهِ: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} (النِّسَاءِ: 97 وَ98)، وَعَلَى نَحْوِ (وَاحِدَةٍ)، وَ (زَوْجَهَا) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (النِّسَاءِ: 1)، وَعَلَى نَحْوِ نَذِيرًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الْأَحْزَابِ: 45 وَ46) مَرْتَبَةً بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ. فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ لِلْوَقْفِ النَّاقِصِ كَمَا تَرَى؛ بِإِزَاءِ ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ مِنَ التَّعَلُّقِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ قَسَّمْتَ طَبَقَةً مِنَ الطَّبَقَاتِ انْقَسَمَتْ بِإِزَائِهَا مَرْتَبَةٌ مِنَ الْمَرَاتِبِ؛ فَقَدْ خَرَجَ لَكَ بِحَسَبِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ، وَهِيَ الْقِسْمَةُ الصِّنَاعِيَّةُ سِتَّةُ أَصْنَافٍ مِنَ الْوَقْفِ فِي الْكَلَامِ: خَمْسَةٌ مِنْهَا بِحَسَبِ الْكَلَامِ نَفْسِهِ، وَهِيَ الْأَتَمُّ، وَالتَّامُّ، وَالَّذِي يُشْبِهُ التَّامَّ، وَالنَّاقِصُ الْمُطْلَقُ، وَالْأَنْقَصُ، وَوَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَوِ الْقَارِئِ، وَهُوَ الَّذِي بِحَسَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ كَمَا سَبَقَ عَنْ حَمْزَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْكَلَامِ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعِ نَفَسٍ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ مِنِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ إِلَّا وَمَعَهُ الْوَقْفُ، وَالْوُقُوفُ أَمْرُهَا عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ إِلَّا الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَمَا سِوَاهُ فَعَلَيْكَ مِنْهُ أَنْ تَخْتَارَ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ؛ بِشَرْطِ أَنْ تُطَابِقَ بِهِ انْقِطَاعَ نَفَسِكَ؛ لِيَنْجَذِبَ عِنْدَ السَّكْتِ إِلَى بَاطِنِكَ مِنَ الْهَوَاءِ مَا تَسْتَعِينُ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي تُنْشِئُهُ بِإِخْرَاجِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَمِمَّا يَدْعُو إِلَى الْوَقْفِ فِي مَوْضِعِ الْوَقْفِ التَّرْتِيلُ؛ فَإِنَّهُ أَعْوَنُ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (الْمُزَّمِّلِ: 4). وَيَدْعُو إِلَيْهِ اجْتِنَابُ تَكْرِيرِ اللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْقُرْآنِ تَكْرِيرًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (الطَّارِقِ: 5 وَ6)، وَقَوْلِهِ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التَّوْبَةِ: 108).
"كَلَّا" فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِهِ جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ. وَالثَّانِي مَا: لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَا يُبْتَدَأُ بِهِ. وَالثَّالِثُ: مَا يُبْتَدَأُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَجُمْلَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا؛ تَضَمَّنُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سُورَةً، كُلُّهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ. وَلِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّيرِينِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَمَا نَزَلَتْ " كَلَّا " بِيَثْرِبَ فَاعْلَمَنْ *** وَلَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ النِّصْفَ الْآخِرَ نَزَلَ أَكْثَرُهُ بِمَكَّةَ، وَأَكْثَرُهَا جَبَابِرَةٌ، فَتَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالتَّعْنِيفِ لَهُمْ، وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ. وَمَا نَزَلَ مِنْهُ فِي الْيَهُودِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِيرَادِهَا فِيهِ لِذُلِّهِمْ وَضَعْفِهِمْ. وَالْأَوَّلُ: اثْنَا عَشَرَ حَرْفًا: مِنْهَا فِي سُورَةِ " مَرْيَمَ ": {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 78 وَ79). وَفِيهَا: {لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 81 وَ82). وَفِي " الْمُؤْمِنِينَ ": {فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا} (الْآيَةَ: 100). وَفِي " الْمَعَارِجِ ": {يُنْجِيهِ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 14 وَ15)، وَفِيهَا: {جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 38 وَ39). وَفِي " الْمُدَّثِّرِ " {أَنْ أَزِيدَ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 15 وَ16)، وَفِيهَا: {صُحُفًا مُنَشَّرَةً كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 52 وَ53). وَفِي " الْقِيَامَةِ ": {أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 10 وَ11). وَفِي " عَبَسَ ": {تَلَهَّى كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 10 وَ11). وَفِي " التَّطْفِيفِ ": {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا} (الْمُطَفِّفِينَ: 13 وَ14). وَفِي " الْفَجْرِ ": {أَهَانَنِ كَلَّا} (الْفَجْرِ: 16 وَ17). وَفِي " الْهُمَزَةِ ": {أَخْلَدَهُ كَلَّا} (الْهُمَزَةِ: 3 وَ4). وَالثَّانِي ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ: فِي " الشُّعَرَاءِ ": {أَنْ يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا} (الشُّعَرَاءِ: 14 وَ15). وَفِيهَا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} (الشُّعَرَاءِ: 61 وَ62). وَفِي " سَبَأٍ ": {أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا} (سَبَأٍ: 27). وَالثَّالِثُ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا: فِي " الْمُدَّثِّرِ ": {كَلَّا وَالْقَمَرِ} (الْمُدَّثِّرِ: 32)، {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (الْمُدَّثِّرِ: 54). وَفِي " الْقِيَامَةِ " {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} (الْقِيَامَةِ: 20)، {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} (الْقِيَامَةِ: 26). وَفِي " النَّبَأِ ": {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} (النَّبَأِ: 4). وَفِي " عَبَسَ ": {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ} (عَبَسَ: 23). وَفِي " الِانْفِطَارِ ": {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ} (الْآيَةَ: 9). وَفِي " التَّطْفِيفِ ": {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} (الْآيَةَ: 7)، {كَلَّا إِنَّهُمْ} (الْآيَةَ: 15) {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} (الْآيَةَ: 18). وَفِي " الْفَجْرِ ": {كَلَّا إِذَا} (الْآيَةَ: 21). وَفِي الْعَلَقِ: {كَلَّا إِنَّ} (الْآيَةَ: 6)، {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} (الْآيَةَ: 15)، {كَلَّا لَا تُطِعْهُ} (الْآيَةَ: 19). وَفِي " التَّكَاثُرِ ": {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الْآيَةَ: 3). وَقَسَّمَهَا مَكِّيٌّ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ فِيهِ عَلَى كَلَّا عَلَى مَعْنَى الرَّدِّ لِمَا قَبْلَهَا وَالْإِنْكَارِ لَهُ، فَتَكُونُ بِمَعْنَى: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هُوَ الِاخْتِيَارُ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا عَلَى مَعْنَى " حَقًّا " أَوْ " إِلَّا " وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا. مِنْهَا الْمَوْضِعَانِ فِي " مَرْيَمَ "، وَفِي " الْمُؤْمِنِينَ ". وَفِي " سَبَأٍ ": {أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا} (الْآيَةَ: 27)، وَمَوْضِعَانِ فِي الْمَعَارِجِ، وَمَوْضِعَانِ فِي الْمُدَّثِّرِ، وَمَوْضِعٌ فِي الْمُطَفِّفِينَ وَالْفَجْرِ وَالْحُطَمَةِ. قَالَ: فَهَذِهِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا، الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ تَقِفَ عَلَيْهَا عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِنْكَارِ لِمَا تَقَدَّمَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَبْتَدِئَ بِهَا عَلَى مَعْنَى " حَقًّا "؛ لِجَعْلِهَا تَأْكِيدًا لِلْكَلَامِ الَّذِي بَعْدَهَا، أَوِ الِاسْتِفْتَاحِ. الثَّانِي: مَا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَا يَكُونُ الِابْتِدَاءُ بِهَا عَلَى مَعْنَى " حَقًّا " أَوْ " أَلَا " أَوْ تَعَلُّقِهَا بِمَا قَبْلَهَا وَبِمَا بَعْدَهَا، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهَا، وَلَا يُبْتَدَأُ بِهَا، وَالِابْتِدَاءُ بِهَا فِي الْمَوَاضِعِ أَحْسَنُ، وَذَلِكَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: مَوْضِعَانِ فِي الْمُدَّثِّرِ: {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ كَلَّا وَالْقَمَرِ} (الْمُدَّثِّرِ: 31 وَ32). {كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (الْمُدَّثِّرِ: 53 وَ 54). وَثَلَاثَةٌ فِي الْقِيَامَةِ: {أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 10 وَ11)، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 19 وَ20)، {أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ كَلَّا إِذَا} (الْآيَتَانِ: 25 وَ26). وَمَوْضِعٌ فِي عَمَّ: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} (النَّبَأِ: 4). وَمَوْضِعَانِ فِي عَبَسَ: {إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 22 وَ 23)، {تَلَهَّى كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 10 وَ11). وَمَوْضِعٌ فِي الِانْفِطَارِ: {مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 8 وَ9). وَثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ فِي الْمُطَفِّفِينَ: {لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} (الْمُطَفِّفِينَ: 6 وَ7)، {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ} (الْمُطَفِّفِينَ: 14 وَ15)، {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا} (الْمُطَفِّفِينَ: 17 وَ18). وَمَوْضِعٌ فِي الْفَجْرِ قَوْلُهُ: {حُبًّا جَمًّا كَلَّا} (الْفَجْرِ: 20 وَ21). وَثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ فِي الْعَلَقِ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَلَّا} (الْعَلَقِ: 5)، {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 14 وَ15)، {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا} (الْعَلَقِ: 18 وَ19). وَمَوْضِعَانِ فِي التَّكَاثُرِ: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الْآيَتَانِ: 2 وَ3)، وَقَوْلُهُ: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ} (الْآيَةَ: 5). فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْقُرَّاءِ وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يُبْتَدَأَ بِهَا، وَ كَلَّا عَلَى مَعْنَى " حَقًّا " أَوْ " أَلَا " وَأَلَّا يُوقَفَ عَلَيْهَا. الثَّالِثُ: مَا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ فِيهِ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا، وَلَا تَكُونُ مَوْصُولَةً بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا بِمَا بَعْدَهَا، وَذَلِكَ مَوْضِعَانِ: فِي " عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ": {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} (النَّبَأِ: 4 وَ5)، وَكَذَا فِي التَّكَاثُرِ: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الْآيَةَ: 4)، فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا، وَلَا الِابْتِدَاءُ بِهَا. الرَّابِعُ: مَا لَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَيَحْسُنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَوْضِعَانِ: فِي " الشُّعَرَاءِ ": {أَنْ يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 14 وَ15)، {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} (الْآيَتَانِ: 61 وَ62). قَالَ: فَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ، وَيَجُوزُ فِي جَمِيعِهَا أَنْ تَصِلَهَا بِمَا قَبْلَهَا وَبِمَا بَعْدَهَا، وَلَا تَقِفَ عَلَيْهَا وَلَا تَبْتَدِئَ بِهَا.
وَأَمَّا بَلَى فَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا؛ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سُورَةً، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَخْتَارُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْوَقْفَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِمَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا بَعْدَهَا، وَذَلِكَ عَشَرَةُ مَوَاضِعَ: مَوْضِعَانِ فِي " الْبَقَرَةِ ": {مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} (الْآيَتَانِ: 80 وَ81)، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى} (الْآيَتَانِ: 111 وَ 112). وَمَوْضِعَانِ فِي " آلِ عِمْرَانَ ": {وَهُمْ يَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ أَوْفَى} (آلِ عِمْرَانَ: 75 وَ76)، {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا} (آلِ عِمْرَانَ: 125). وَمَوْضِعٌ فِي " الْأَعْرَافِ ": {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (الْآيَةَ: 172)، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ. وَفِي " النَّحْلِ ": {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى} (النَّحْلِ: 28). وَفِي " يس ": {أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} (يس: 81). وَفِي " غَافِرٍ ": {رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} (آيَةَ: 50). وَفِي " الْأَحْقَافِ ": {عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى} (الْأَحْقَافِ: 33). وَفِي " الِانْشِقَاقِ ": {أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى} (الْآيَتَانِ: 14 وَ15). فَهَذِهِ عَشَرَةُ مَوَاضِعَ يُخْتَارُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِمَا قَبْلَهَا، غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَا بَعْدَهَا، وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الِابْتِدَاءَ بِهَا. وَالثَّانِي: مَا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِ مَا بَعْدَهَا بِهَا وَبِمَا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: فِي " الْأَنْعَامِ ": {بَلَى وَرَبِّنَا} (الْآيَةَ: 30)، وَفِي " النَّحْلِ ": {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} (الْآيَةَ: 38). وَفِي " سَبَأٍ ": {قُلْ بَلَى وَرَبِّي} (الْآيَةَ: 3)، وَفِي " الزُّمَرِ ": {مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ} (الْآيَتَانِ: 58 وَ59). وَفِي " الْأَحْقَافِ ": {بَلَى وَرَبِّنَا} (الْآيَةَ: 34). وَفِي " التَّغَابُنِ ": {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} (التَّغَابُنِ: 7). وَفِي " الْقِيَامَةِ " {أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى} (الْقِيَامَةِ: 4). وَهَذِهِ لَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا وَمَا بَعْدَهَا جَوَابٌ. الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا؛ وَالْأَحْسَنُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مُتَّصِلٌ بِهَا وَبِمَا قَبْلَهَا، وَهِيَ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ: فِي " الْبَقَرَةِ ": {بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (الْآيَةَ: 260). وَفِي " الزُّمَرِ ": {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (الْآيَةَ: 71). وَفِي " الزُّخْرُفِ ": {، وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا} (الْآيَةَ: 80). وَفِي " الْحَدِيدِ ": {قَالُوا بَلَى} (الْآيَةَ: 14). وَفِي " الْمُلْكِ ": {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} (الْآيَةَ: 9).
وَأَمَّا نَعَمْ فَفِي الْقُرْآنِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي " الْأَعْرَافِ ": {قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} (الْآيَةَ: 44)،، وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ عَلَى " نَعَمْ "؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِهَا، وَلَا بِمَا قَبْلَهَا؛ إِذْ لَيْسَ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ النَّارِ وَ {قَالُوا نَعَمْ} مِنْ قَوْلِهِمْ. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ: فِي " الْأَعْرَافِ " (الْآيَةَ: 114)، وَ " الشُّعَرَاءِ ": (الْآيَةَ: 42) {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ}. الرَّابِعُ: فِي " الصَّافَّاتِ ": {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} (الْآيَةَ: 18). وَالْمُخْتَارُ أَلَّا يُوقَفَ عَلَى " نَعَمْ " فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِمَا بَعْدَهَا وَبِمَا قَبْلَهَا لِاتِّصَالِهِ بِالْقَوْلِ. وَضَابِطُ مَا يُخْتَارُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ وَقَعَ بَعْدَهَا " مَا " اخْتِيرَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا. أَوْ يُقَالَ: إِنْ وَقَعَ بَعْدَهَا وَاوٌ لَمْ يُخْتَرِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَإِلَّا اخْتِيرَ، وَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي أَيِّهِمَا شِئْتَ.
|