{فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ (169)}: نصب على ضمير جواب «يكن خيرا لكم»، وكذلك كل أمر ونهى، وإذا كانت آية قبلها وأن تفعلوا، ألف «أن» مفتوحة فما بعدها رفع لأنه خبر «أن»، {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [2/ 280].وما مرّ بك من أسماء الأنبياء لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان في آخره «ى» فانه لا ينون نحو عيسى وموسى.{لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ (170)} من الغلو والاعتداء، كل شيء زاد حتى يجاوز الحدّ من نبات أو عظم أو شباب، يقال في غلوائها وغلواء الشباب، قال الحارث بن خالد المخزومي:
{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قتلوه وما صلبوه}وقوله تعالى: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [140].وهذه استعارة. والمراد بالخوض هاهنا مناقلة الحديث، والضرب في أقطاره، والتفسّح في أعطانه، استثارة لكرائمه، وبحثا عن غوامضه. تشبيها بخائض الماء، الذي يثير قراره، ويسبر غماره.وقوله تعالى: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِينًا} [157].وفى هذه الآية استعارتان: إحداهما قوله سبحانه: {إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ} لأن الظن جعل هاهنا بمنزلة الداعي الذي يطاع أمره، والقائد الذي يتبع أثره، مبالغة في صفة الظن بشدة الاستيلاء عليهم وقوة الغلبة على قلوبهم. والاستعارة الأخرى أن يكون قوله تعالى: {وَما قَتَلُوهُ يَقِينًا} راجعا إلى الظن لا إلى المسيح عليه السلام.فكأنه سبحانه قال: وما قتلوا الظن يقينا: كما يقول القائل: قتلت الخبر علما. ومن أمثالهم: (قتل أرضا عالمها) و(قتلت أرض أهلها) والمراد بقولهم قتلت الخبر علما: أي استقصيت معرفته، واستخرجت دخيلته. فلم يفتنى شيء من علمه، فكنت بذلك كأنى قاتل له. أي لم أبق شيئا يعلم من كنهه، كما لم يبق القاتل من المقتول شيئا من نفسه. وعلى هذا قولهم: أصاب فلان شاكلة الأمر وطبّق مفصل الرأى حقيقته، وبلغ مص.... ة والشاكلة: الخاصرة هاهنا، وهى من مقاتل الحيوان.