الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
وكان المعز عالمًا فاضلًا جوادًا حسن السيرة منصفًا للرعية مغرمًا بالنجوم أقيمت له الدعوة بالمغرب كله وديار مصر والشام والحرمين وبعض أعمال العراق. وقام من بعده ابنه: العزيز بالله أبو منصور نزار فأقام في الخلافة إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفًا ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانيةأشهر وأربعة عشر يومًا في الثامن والعشرين من رجب سنة ست وثمانين وثلثمائة بمدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة. وقام من بعده ابنه: الحاكم بأمر الله أبو علي منصور وكانت مدة خلافته إلى أن فقد خمسًا وعشرين سنة وشهرًا وفقد وعمره ست وثلاثون سنة وسبعة أشهر في ليلة السابع والعشرين من شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة وقد بسطت خبر العزيز والحاكم عند ذكر الجوامع من هذا الكتاب. وقام من بعده ابنه: الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسين علي بن الحاكم بأمر الله ولد بالقاهرة يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة خمس وتسعين وثلثمائة وبويع له بالخلافة يوم عيد النحر سنة إحدى عشرة وأربعمائة وعمره ست عشرة سنة فخرج إلى صلاة العيد وعلى رأسه المظلة وحوله العساكر وصلى بالناس في المصلى وعاد فكتب بخلافته إلى الأعمال وشرب الخمر ورخص فيه للناس وفي سماع الغناء وشرب الفقاع وأكل الملوخيا وجميع الأسماك فأقبل الناس على اللهو ووزر له الخطير رئيس الرؤساء أبو الحسن عمار بن محمد وكان يلي ديوان الإنشاء وغيره واستوزره بعده بدر الدولة أبا الفتوح موسى بن الحسين وكان يتولى الشرطة ثم ولي ديوان الإنشاء بعد ابن حيران وصرف عن الوزارة في المحرم سنة ثلاث عشرة وقبض عليه في شوال وقتل فوجد له من العين ستمائة ألف دينار وعشرون ألف دينار وولي بعده الأزارة الأمير شمس الملوك المكين مسعود بن طاهر. وفي
سنة أربع عشرة قلد منتخب الدولة الدريزي متولي قيساورية ولاية فلسطين فكانت له مع حسان بن مفرح بن جراح الطائي حروب وفيها نزع السعر بمصر وتعذر وجود الخبز وفي المحرم سنة خمس عشرة لقب الخادم الأسود معضاد بالقائد عز الدولة وسنائها أبي الفوارس معضاد الظاهر وخلع عليه وثار رجل من بني الحسين ببلاد الصعيد فقبض عليه وأقر أنه قتل الحاكم بأمر الله ووجد معه قطعة من جلد رأسهن وقطعة من الفوطة التي كانت عليه فسئل عن سبب قتله إياه فقال: غرت لله وللإسلام ثم قتل نفسه بسكين كانت معه فقطعت رأسه وسيرت إلى القاهرة وفيها اشتد الغلاء بمصر وكثر نقص النيل. وفيها قرر الشريف الكبير العجمي والشيخ نجيب الدولة الجرجراي والشيخ العميد محسن بن بدوس مع القائد معضاد أن لا يدخل على الظاهر أحد غيرهم وكانوا يدخلون كل يوم خلوة ويخرجون فيتصرفون في سائر أمور الدولة والظاهر مشغول بلذاته وصار شمس الملوك مظفر صاحب المظلمة وابن حيران صاحب الإنشاء وداعي الدعاة ونقيب نقباء الطالبيين وقاضي القضاة ربما دخلوا على الظاهر في كل عشرين يومًا مرة ومن عداهم لا يصل إلى الظاهر ألبتة والثلاثة الأول هم الذين يقضون الأشغال ويمضون الأمور بعد الاجتماع عند القائد معضاد ومنع الناس من ذبح الأبقار لقلتها وعزت الأقوات بمصر وقلت البهائم كلها حتى بيع الرأس البقر بخمسين دينارًا وكثر الخوف في ظواهر البلد وكثر اضطرات الناس وتحدث زعماء الدولة بمصادرة التجار فاختلف بعضهم على بعض وكثر ضجيج العسكر من الفقر والحاجة فلم يجابوا وتحاسد زعماء الدولة فقبض على العميد محسن وضرب عنقه واشتد الغلاء وفشت الأمراض وكثر الموت في الناس وفقد الحيوان فلم يقدر علىدجاجة ولا فروج وعز الماء لقلة الظهر فعم البلاء من كل جهة وعرض الناس أمتعتهم للبيع فلم يوجد من يشتريها وخرج الحاج فقطع عليهم الطريق بعد رحيلهم من بركة الجب وأخذت أموالهم وقتل منهم كثير وعاد من بقي فلم يحج أحد من أهل مصر وتفاقم الأمر في شدة الغلاء فصاح الناس بالظاهر: الجوع الجوع يا أمير المؤمنين لم يصنع بنا هذا أبوك ولا جدك فالله الله في أمرنا وطرقت عساكر ابن جراح الفرما ففر أهلها إلى القاهرة وأصبح الناس بمصر على أقبح حال من الأمراض والموتان وشدة الغلاء وعدم الأقواتن وكثر الخوف من الذعار التي تكبس حتى أنه لما عمل سماط عيد النحر بالقصر كبس العبيد على السماط وهم يصيحون: الجوع ونهبوا سائ ما كان عليه ونهبت الأرياف وكثر طمع العبيد ونهبهم وجرت أمور من العامة قبيحة واحتاج الظاهر إلى القرض فحمل بعض أهل الدولة إليه مالًا وامتنع آخرون واجتمع نحو الألف عبد لتنهب البلد من الجوع فنودي بأن من تعرض أحد من العبيد فليقتله وندب جماعة لحفظ البلد واستعد الناس فكانت نهبات بالساحل ووقائع مع العبيد احتاج الناس فيها إلى أن خندقوا عليهم خنادق وعملوا الدروب على الأزقة والشوارع وخرج معضاد في عسكر فطردهم وقبض على جماعة منهم ضرب أعناقهم وأخذ العبيد في طلب الحرحراي وغيره من وجوه الدولة فحرسوا أنفسهم وامتنعوا في دورهم وانقضت السنة والناس في أنواع من البلاء. وفي سنة ست عشرة أمر الظاهر فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكية وغيرهم وأمر الدعاة أن يحفظوا الناس كتاب دعائم الإسلام ومختصر الوزير وجعل لمن حفظ ذلك مالًا. وفي سنة سبع عشرة ثار بمصر رعاف عظيم بالناس وكثرت زيادة النيل عن العادة وتصدق الظاهر بمائة ألف دينار من أجل أنه سقط عن فرسه وسلم. وفي سنة ثمان عشرة وقعت الهدنة مع صاحب الروم وخطب للظاهر في بلاده وأعاد الجامع بقسطنطينية وعمل فيه مؤذنًا فأعاد الظاهر كنيسة قمامة بالقدس وأذن لمن أظهر الإسلام في أيام الحاكم أن يعود إلى النصرانية فرجع إليها كثير منهم وصرف الظاهر وزيره عميد الدولة وناصحها أبا محمد الحسن بن صالح الروذبادي وأقام بدله أبا القاسم علي بن أحمد الحرحراي. وفي سنة عشرين كانتفتنة بين المغاربة والأتراك قتل فيها كثير. وفي سنة إحدى وعشرين بويع لابنالظاهر بولاية العهد وعمره ثمانية أشهر وأنفق على ذلك في خلع لأهل الدولة وطعام ونثار للعامة ما يجل وصفه. وفي سنة ثلاث وعشرين قتل الظاهر أحد الدعاة فاضطربت الرعية والجند وتحدث الناس بخلعه ثم سكنت الفتنة بعد إنفاق مال جزيل. وفي سنة أربع وعشرين ركب ولي العهد من القاهرة إلىمصر وقد زينت الطرقات فكان إذا مر بقوم قبلوا له الأرض ونثر يومئذ على العامة مبلغ خمسة آلاف دينار فكان يومًا عظيمًا. وفي سنة خمس وعشرين بث الظاهر دعاته ببغداد عند اختلاف الأتراك بها فكثرت دعاته هناك واستجاب لهم خلق كثير فلما كان في سنة ست وعشرين كثر الوباء بمصر ومات الظاهر للنصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأرعمائة عن اثنتين وثلاثين سنة إلا أيامًا فكانت حدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيامًا وكان مشغوفًا باللهو محبًا للغناء فتأنق الناس في أيامه بمصر واتخذوا المغنيات والرقاصات وبلغوا من ذلك مبلغًا عظيمًا واتخذ حجرًا لمماليكه وعلمهم أنواع العلوم وسائر فنوي الحرب واتخذ خزانة البنود وأقام فيها ثلاثة آلاف صانع وراسل الملوك واستكثر من شراء الجواهر وكانت مملكته بإفريقية ومصر والشام والحجاز وغلب صالح بن مرداس على حلب في أيامه واستولى على مل يليها وتغلب حسان جراح على أكثر بلاد الشام فتضعضعت الدولة. وقام من بعده ابنه ولي العهد وبويع له وهو: المتنصر بالله أبو تميم معد ومولده في السادس عشر من جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وبويع بالخلافة للنصف من شعبان سنة سبع وعشرين وعمره يومئذ سبع سنين فأقام ستين سنة وأشهرًا في الخلافة كانت فيها أنباء وقصص شنيعة بديار مصر منها: أن أمه كانت أمة سوداء لتاجر يهودي يقال له: أبو سعد سهل بن هارون التستري فابتاعها منه الظاهر واستولدها المستنصر فلما أفضت الخلافة إليه استدنت أمه أبا سعد ورقته درجة علية وكان الوزير يومئذ أبا القاسم الحرحراي فلم يتمكن أبو سعد من إظهار ما في نفسه حتى مات الحرحراي وتولى أبو منصور صدقة بن يوسف العلاجي الوزارة فانبسطت يد أبي سعد وصار العلاجي يأتمر بأمر فعمل عليه وقتله كما ذكر في خبر خزانة البنود فحقدت أم المتنصر على العلاجي وصرفته عن الوزارة واستقر أبو البركات صفي الدين الحسين بن محمد بن أحمد الحرحراي في الوزارة. وفي سنة أربعين سار ناصر الدولة الحسين بن حمدان متولي دمشق بالعساكر إلى حلب وحارب متوليها: ثمال بن صالح بن مرداس ثم رجع بغير طائل فقلد مظفر الصقلبي دمشق وقبض على ابن حمدان وصادره واعتقله بصور ثم بالرملة وخرج أمير الأمراء: رفق الخادم على عسكر تبلغ عدته نحو الثلاثين ألفًا بلغت النفقة عليه أربعمائة ألف دينار يريد الشام ومحاربة بني مرداس. وفي المحرم سنة إحدى وأربعين صرف قاضي القضاة قاسم بن عبد العزيز بن النعمان عن القضاء بعدما باشره ثلاث عشرة سنة وشهر أو أربعة أيام وتقلد وظيفة القضاء بعده القاضي الأجل خطير الملك أبو محمد البازوري. وفيها حارب رفق بني حرداس فظفروا به وأسروه فمات بقلعة حلب فأفرج عن ابن حمدان وبقي بالحضرة وقبض على الوزير أبي البركات الحرحراي ونفي إلى الشام وعمل أبو المفضل صاعد بن مسعود واسطة لا وزيرًا ثم قلد القضاة أبو محمد البازوري الوزارة مع وظيفة القضاء ولقب بسيد الوزراء. وفي سنة اثنتين وأربعين كانت حروب البحيرة وإخراج بني قرة منها وإنزال بني سنيس بعدهم بها وفيها دعا علي بن محمد الصليحي باليمن للمستنصر وبعث إليه بمال النجوة والهدن. وفي سنة أربع وأربعين كتب ببغداد محاضر بالقدح في نسب الخلفاء المصريين ونفيهم من الانتساب إلى علي بن أبي طالب وسيرت إلى الآفاق وقصر مد النيل فتحرك السعر بمصر ثم قصر أيضًا مد النيل في سنة ست وأربعين فقوي الغلاء وكثر الموت في الناس. وفي سنة ثمان وأربعين خرج أبو الحارث البساسيري من بغداد منتميًا للمستنصر فسيرت إليه الأموال والخلع. وفي سنة خمسين قبض على الوزير الناصر للدين أبي محمد البازوري وتقلد بعده الوزارة أبو الفرج محمد بن جعفر المغربي بن عبد الله بن محمد وولي القضاء بعد البازوري أبو علي أحمد بن عبد الحكم ثم صرف بعبد الحاكم المليحي وفيها أخذ البساسيري بغداد وأقام فيها الخطبة للمستنصر وفر الخليفة القائم بأمر الله العباسي إلى قريش بن بدران فبعث به إلى غانة وسيرت ثياب القائم وعمامته وغير ذلك من الأموال إلى مصر وفيها سار ناصر الدولة إلى دمشق أميرًا عليها. وفي سنة إحدى وخمسين أقيمت دعوة المستنصر بالبصرة وواسط وجميع تلك الأعمال فقدم طغريل إلى بغداد وأعاد الخليفة القائم بعدما خطب للمستنصر ببغداد أربعون خطبة وقتل البساسيري وفيها قطعت خطبة المستنصر أيضًا من حلب فسار إليها ابن حمدان وحارب أهلها فانكسر كسرة شديدة شنيعة وعاد إلى دمشق وفيها صرف أبو الفرج بن المغربي عن الوزارة وعبد الحاكم عن القضاء وأعيد إلى الوزارة أبو الفرج البابلي واستقر في وظيفة القضاء أحمد بن أبي زكري. وفي سنة ثلاث وخمسين كثر صرف الوزراء والقضاة وولايتهم لكثرة مخالطة الرعاع للخليفة وتقدم الأرذال بحيث كان يصل إليه في كل يوم ثمانمائة رقعة فيها المرافعات والسعايات فاشتبهت عليه الأمور وتناقضت الأحوال ووقع الاختلاف بين عبيد الدولة وضعفت قوى الوزراء عن التدبير لقصر مدة كل منهم وخربت الأعمال وقل ارتفاعها وتغلب الرجال على معظمها مع كثرة النفقات والاستخفاف بالأمور وطغيان الأكابر إلى أن آل الأمر إلى حدوث الشدة العظمى كما قد ذكر في موضعه من هذا الكتاب وكان من قدوم أمير الجيوش بدر الجمالي في سنة ست وستين وأربعمائة وقيامه بسلطنة مصر ما ذكر في ترجمته عند ذكر أبواب القاهرة فلم يزل المستنصر مدة أمير الجيوش ملجمًا عن التصرف إلى أن مات في سنة سبع وثمانين فأقام العسكر من بعده في الوزارة ابنه الأفضل شاهنشاه فباشر الأمور يسيرًا ومات المستنصر ليلة الخميس لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة سبع وثمانين عن سبع وستين سنة وخمسة أشهر منها في الخلافة ستون سنة وأربعة أشهر وثلاثة أيام مرت فيها أهوال عظيمة وشدائد آلت به إلى أن جلس على نخ وفقد القوت فلم يقدر عليه حتى كانت امرأة من الأشراف تتصدق عليه في كل يوم بقعب فيه فتيت فلا يأكل سواه مرة في كل يوم وقد مر في غير موضع من هذا الكتاب كثير من أخباره فلما مات المستنصر أقام الأفضل بن أمير الجيوش في الخلافة من بعده ابنه: المستعلي بالله أبا القاسم أحمد وكان مولده في العشرين من المحرم سنة سبع وستين وأربعمائة فحالف عليه أخوه نزار وفر إلى الإسكندرية وكان القائم بالأمور كلها وفي سنة تسعين وقع بمصر غلاء ووباء وقطعت الخطبة من دمشق للمستعلي وخطب بها للعباسي وخرج الفرنج من قسطنطينية لأخذ سواحل الشام وغيرها من أيدي المسلمين فملكوا أنطاكية. وفي سنة إحدى وتسعين خرج الأفضل بعسكر عظيم من القاهرة فأخذ بيت المقدس من الأرمن وعاد إلى القاهرة. وفي سنة اثنتين وتسعين ملك الفرنج الرملة وبيت المقدس فخرج الأفضل بالعساكر وسار إلى عسقلان فسار إليه الفرنج وقاتلوه وقتلوا كثيرًا من أصحابه وغنموا منه شيئًا كثيرًا وحصروه فنجا بنفسه في البحر وصار إلى القاهرة وفي سنة ثلاث وتسعين عم الوباء أكثر البلاد فهلك بمصر عالم عظيم. وفي سنة أربع وتسعين خرج عسكر مصر لقتال الفرنج وكانت بينهما حروب كثيرة. وفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة مات المستعلي بالله لثلاث عشرة بقيت من صفر وعمره سبع وعشرون سنة وسبعة وعشرون يومًا ومدة خلافته سبع سنين وشهران وفي أيامه اختلت الدولة وانقطعت الدعوة من أكثر مدن الشام فإنها صارت بين الأتراك والفرنج وصارت الإسماعيلية فرقتين: فرقة نزارية تطعن في إمامة المستعلي وفرقة ترى صحة خلافته ولم يكن فلما مات أقام الأفضل من بعده في الخلافة ابنه: الآمر بأحكام الله أبا علي منصورًا وعمره خمس سنين وشهر وأيام فقتل الأفضل في أيامه وأقام في الخلافة تسعًا وعشرين سنة وثمانية أشهر ونصفًا وقد ذكرت ترجمته عند ذكر الجامع الأقمر في ذكر الجوامع من هذا الكتاب ولما قتل الآمر بأحكام الله. أقيم من بعده: الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله وكان قد ولد بعسقلان في المحرم سنة سبع وقيل: في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة لما أخرج المستنصر ابنه أبا القاسم مع بقية أولاده في أيام الشدة فلذلك كان يقال له في أيام الآمر بأحكام الله الأمير عبد المجيد العسقلاني ابن عم مولانا. ولما قتل النزارية: الخليفة الآمر أقام برغش وهزار الملوك الأمير عبد المجيد في دست الخلافة ولقباه بالحافظ لدين الله وأنه يكون كفيلًا لمنتظر في بطن أمه من أولاد الآمر واستقر هزاز الملوك وزيرًا فثار العسكر وأقاموا أبا علي بن الأفضل وزيرًا وقتل هزار الملوك ونهب شارع القاهرة وذلك كله في يوم واحد فاستبد أبو علي بالوزارة يوم السادس عشر من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقبض على الحافظ وسجنه مقيدًا فاستمر إلى أن قتل أبو علي في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين فأخرج من معتقله وأخذ له العهد على أنه ولي عهد كفيل لمن يذكر اسمه فاتخذ الحافظ هذا اليوم عيدًا سماه عيد النصر وصار يعمل كل سنة ونهبت القاهرة يومئذ وقام يانس صاحب الباب بالوزارة إلى أن هلك في ذي الحجة منها بعد تسعة أشهر فلم يستوزر الحافظ بعده أحدًا وتولى الأمور بنفسه إلى سنة ثمان وعشرين فأقام ابنه سليمان ولي عهده مقام وزير فلم تطل أيامه سوى شهرين ومات فجعل مكانه ابن حيدرة فخنق ابنه حسن وثار بالفتنة وكان من أمره ما ذكر في خبر الحارة اليانسية من هذا الكتاب فلما قتل حسن قام بهرام الأرمني وأخذ الوزارة في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وكان نصرانيًا فاشتد ضرر المسلمين من النصارة وكثرت أذيتهم فسار رضوان بن ولخشي وهو يومئذ متولي الغربية وجمع الناس لحرب بهرام وسار إلى القاهرة فانهزم بهرام ودخل رضوان القاهرة واستولى على الوزارة في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين فأوقع بالنصارى وأذلهم فشكره الناس إلا أنه كان خفيفًا عجولًا فأخذ في إهانة حواشي الخليفة وهم بخلع وقال: ما هو بإمام وإنما هو كفيل لغيره وذلك الغير لم يصح فتوحش الحافظ منه وما زال يدبر عليه حتى ثارت فتنة انهزم فيها رضوان وخرج إلى الشام فجمع وعاد في سنة أربع وثلاثين فجهز له الحافظ العساكر لمحاربته فقاتلهم وانهزم منهم إلى الصعيد فقبض عليه واعتقل فلم يستوزر الحافظ أحدًا بعده إلى أن كانت سنة ست وثلاثين فغلت الأسعار بمصر وفي سنة اثنتين وأربعين خلص رضوان من معتقله بالقصر وخرج من نقب وثار بجماعة وكانت فتنة آلت إلى قتله. وفي سنة أربع وأربعين ثارت فتنة بالقاهرة بين طوائف العسكر فمات الحافظ ليلة الخامس من جمادى الآخرة عن سبع وسبعين سنة منها مدة خلافته ثمان عشرة سنة وأربعة أشهر وتسعة يومًا أصابته فيها شدائد كثيرة وكان حازمًا سيوسًا كثير المداراة عارفًا جماعًا للمال مغرى بعلم النجوم يغلب عليه الحلم. فلما مات والفتنة قائمة أقيم ابنه: الظاهر بأمر الله أبو منصور إسماعيل ومولده للنصف من ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة فأقام في الخلافة أربع سنين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام وكان محكومًا عليه من الوزارة وفي أيامه أخذت عسقلان فظهر الخلل في الدولة وقد ذكرت أخباره في خط الخشيبة عند ذكر الخطط من هذا الكتاب. فلما قتل أقيم من بعده أبنه: الفائز بنصر الله أبو القاسم أقامه في الخلافة بعد مقتل أبيه الوزير عباس وعمره خمس سنين فقدم طلائع بن رزيك والي الأشمونين بجموعه إلى القاهرة ففر عباس واستولى طلائع على الوزارة وتلقب بالصالح وقام بأمر الدولة إلى أن مات الفائز لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين عن إحدى عشرة سنة وستة أشهر ويومين منها في الخلافة ست وستين وخمسة أشهر وأيام لي ير فيها خيرًا فإنه لما أخرج ليقام خليفة رأى أعمامه قتلى وسمع الصراخ فاختل عقله وصار يصرخ حتى مات. فأقام الصالح بن زريك في الخلافة بعده: العاضد لدين الله أبا محمد عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله ومولده لعشر بقين من المحرم سنة ست وأربعين وخمسمائة وكان عمره يوم بويع نحو إحدى عشرة سنة وقام الصالح بتدبير الأمور إلى أن قتل في رمضان سنة ست وخمسين كما ذكر في خبره عند ذكر الجوامع فقام من بعده ابنه رزنك بن طلائع وحسنت سيرته فعزل شاور بن مجير السعدي عن ولاية قوص فلم يقبل العزل وحشد وسار على طريق الواحات في البرية إلى تروجة فجمع الناس وسار إلى القاهرة فلم يثبت رزيك وفر فقبض عليه بإطفيح واستقر شاور في الوزارة لأيام خلت من صفر سنة ثمان وخمسين فأقام إلى أن ثار ضرغام صاحب الباب ففر منه إلى الشام واستبد ضرغام بالوزارة فقتل أمراء الدولة وأضعفها بسبب ذهاب أكابرها فقدم الفرنج ونازلوا مدينة بلبيس مدة ودافعهم المسلمون عدة مرار حتى عادوا إلى بلادهم بالساحل ورجع العسكر إلى القاهرة وقد قتل منهم كثير فوصل شاور بعساكر الشام في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين فحاربه ضرغام على بلبيس بعساكر مصر وكانت لهم منه معارك انهزموا في آخرها وغنم شاور ومن معه سائر ما خرجوا به وكان شيئًا جليلًا فسروا بذلك وساروا إلى القاهرة فكانت بين الفريقين حروب آلت إلى هزيمة ضرغام وقتله في شهر رمضان منها. فاستولى شاور على الوزارة مرة ثانية واختلف مع الغزاة القادمين معه من الشام وكانت له معهم حروب آلت إلى أن شاور كتب إلى مري ملك الفرنج يستدعيه إلى القاهرة ليعينه على محاربة شيركوه ومن معه من الغز فحضر وقد صار شيركوه في مدينة بلبيس فخرج شاور من القاهرة ونزل هو ومري على بلبيس وحصرا شيركوه ثلاثة أشهر ثم وقع الصلح فسار شيركوه بالغز إلى الشام ورحل الفرنج وعاد شاور إلى القاهرة في سنة ستين وخمسمائة فلم يزل إلى أن قدم شيركوه من الشام بالعساكر مرة ثانية في ربيع الآخر فخرج شاور من القاهرة إلى لقائه واستدعى مري ملك الفرنج فسار شيركوه على الشرق وخرج من إطفيح فسار إليهشاور بالفرنج وكانت له معه الوقعة المشهورة فسار شيركوه بعد الوقعة من الأشمونين وأخذ الإسكندرية بعد أن استخلف عليها ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب ولم يزل يسير من الإسكندرية إلى قوص وهو يجبي البلاد فخرج شاور من القاهرة بالفرنج ونازل الإسكندرية فبلغ شيركوه ذلك فعاد من قوص إلى القاهرة وحصرها. ثم كانت أمور آخرها مسير شيركوه وأصحابه من أرض مصر إلى الشام في شوال وقد طمع الفرنج في البلاد وتسلموا أسوار القاهرة وأقاموا فيها شحنة معه عدة من الفرنج لمقاسمة المسلمين ما يتحصل من مال البلد وفحش أمر شاور وساءت سيرته وكثر تجريه على الدماء وإتلافه للأموال فلما كان في سنة أربع وستين قوي تمكن الفرنج في القاهرة وجاروا في حكمهم بها ركبوا المسلمين بأنواع الإهانة. فسار مري يريد أخذ القاهرة ونزل على مدينة بلبيس وأخذها عنوة فكتب العاضد إلى نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام يستصرخه ويحثه على نجدة الإسلام وإنقاذ المسلمين من الفرنج فجهز أسد الدين شيركوه في عسكر كثير وجهزهم وسيرهم إلى مصر وقد أحرق شاور مدينة مصر كما تقدم ونزل مري ملك الفرنج على القاهرة وألح في قتال أهلها حتى كاد أن يأخذها عنوة فسير إليها شاور وخادعه حتى رضي بمال يجمعه له فشرع في جبايته وإذا بالخبر ورد بقدوم شيركوه فرحل الفرنج عن القاهرة في سابع ربيع الآخر نز شيركوه على القاهرة بالغز ثالث مرة فخلع عليه العاضد وأكرمه فأخذ شاور يفتك بالغز على عادته فكان من قتله ما ذكر في موضعه وذلك في سابع عشر ربيع الآخر المذكور وتقلد شيركوه وزارة العاضد وقام بالدولة شهرين وخمسة أيام ومات في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ففوض العاضد الوزارة لصلاح الدين يوسف بن أيوب فساس الأمور ودبر لنفسه فبذل الأموال وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال فلم يزل أمره في ازدياد. وأمر العاضد في نقصان وصار يخطب من بعد العاضد للسلطان محمود نور الدين وأقطع أصحابه البلاد وأبعد أهل مصر وأضعفهم واستبد بالأمور ومنع العاضد من التصرف حتى تبين للناس ما يريده من إزالة الدولة إلى أن كان من واقعة العبيد ما ذكرنا فأبادهم وأفناهم ومن حينئذ تلاشى العاضد وانحل أمره ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة فقط هذا وصلاح الدين يوالي الطلب منه في كل يوم ليضعفه فأتى على المال والخيل والرقيق وغير ذلك حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد فطلب منه وألجأه إلى إرساله وأبطل ركوبه من ذلك الوقت. وصار لا يخرج من القصر البتة وتتبع صلاح الدين جند العاضد وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله فقدموا من الشام عليه فلما كان في سنة ست وستين أبطل المكوس من ديار مصر وهدم دار المعونة بمصر وعمرها مدرسة للشافعية وأنشأ مدرسة أخرى للمالكية وعزل قضاة مصر الشيعة وقلد القضاء صدر الدين بن عبد الملك بن درباس الشافعي وجعل إليه الحكم في إقليم مصر كله فعزل سائر القضاة واستتاب قضاة شافعية فتظاهر الناس من تلك السنة بمذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما واختفى مذهب الشيعة إلى أن نسي من مصر وأخذ في غزو الفرنج فخرج إلى الرملة وعاد في ربيع الأول ثم سار إلى أيلة ونازل قلعتها حتى أخذها من الفرنج في ربيع الآخر ثم سار إلى الإسكندرية لم شعث سورها وعاد وسير توران شاه فأوقع بأهل الصعيد وأخذ منهم ما لا يمكن وصفه كثرة وعاد فكثر القول من صلاح الدين وأصحابه في ذم العاضد وتحدثوا بخلعه وإقامة الدعوة العباسية بالقاهرة ومصر ثم قبض على سائر من بقي من أمراء الدولة وأنزل أصحابه في دورهم في ليلة واحدة فأصبح في البلد من العويل والبكاء ما يذهل وتحكم أصحابه في البلد بأيديهم وأخرج إقطاعات سائر المصريين لأصحابه وقبض على بلاد العاضد ومنع عنه سائر مواده وقبض على القصور وسلمها إلى الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي وجعله زمامها فضيق على أهل القصر وصار العاضد معتقلًا تحت يده وأبطل من الأذان: حي علي خير العمل وأزال شعار الدولة وخرج بالعزم على قطع خطبة العاضد فمرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلا عشرة أيام منها في الخلافة إحدى عشرة سنة وستة أشهر وسبعة أيام وذلك في ليلة يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة بعد قطع اسمه من الخطبة والدعاء للمستنجد العباسي بثلاثة أيام وكان كريمًا لين الجانب مرت به مخاوف وشدائد وهو أخر الخلفاء الفاطميين بمصر وكانت مدتهم بالمغرب ومصر منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد مائتي سنة واثنتين وسبعين سنة وأيامًا بالقاهرة منها مائتان وثماني سنين فسبحان الباقي.
|