الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر ولاية عتبة بن غزوان البصرة: فسار عتبة ومن معه حتى إذا كانوا بالمربد تقدموا حتى بلغوا حيال الجسر الصغير فنزلوا. فبلغ صاحب الفرات خبرهم فأقبل في أربعة آلاف فالتقوا، فقاتلهم عتبة بعد الزوال، وكان في خمسمائة، فقتلهم أجمعين ولم يبق إلا صاحب الفرات فأخذه أسيراً، ثم خطب عتبة أصحابه وقال: إن الدنيا قد تصرمت وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم منتقلون منها إلى دار القرار، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، وقد ذكر لي: لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم لهوت سبعين خريفاً ولتملأنه؛ وعجبتم! ولقد ذكر لي: أن ما بين مصراعين من مصارع الجنة مسيرة أربعين خريفاً وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي، صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد، فما منا أولئك السبعة من أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار، وسيجربون الناس بعدنا. وكان نزوله البصرة في ربيع الأول أو الآخر سنة أربع عشرة. وقيل: إن البصرة مصرت سنة ستة عشرة بعد جلولاء وتكريت والحصنين، أرسله سعد إليها بأمر عمر. وإن عتبة لما نزل البصرة أقام نحو شهر فخرج إليه أهل الأبلة، وكان بها خمسمائة أسوار يحمونها، وكانت مرفأ السفن من الصين، فقاتلهم عتبة فهزمهم حتى دخلوا المدينة، ورجع عتبة إلى عسكره، وألقى الله الرعب في قلوب الفرس فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء وأخلوا المدينة ودخلها المسلمون فأصابوا متاعاً وسلاحاً وسبياً فاقتسموه وأخرج الخمس منه، وكان المسلمون ثلاثمائة. وكان فتحها في رجب أو في شعبان. ثم نزل موضع مدينة الرزق وخط موضع المسجد وبناه بالقصب. وكان أول مولود بها عبد الرحمن بن أبي بكرة، فلما ولد ذبح أبوه جزوراً فكفتهم لقلة الناس. وجمع لهم أهل دستميسان فلقيهم عتبة فهزمهم وأخذ مرزبانها أسيراً وأخذ قتادة منطقته فبعث بها مع أنس بن حجنة إلى عمر، فقال له عمر: كيف الناس؟ فقال: انثالت عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهب والفضة. فرغب الناس في البصرة فأتوها. واستعمل عتبة مجاشع بن مسعود على جماعة وسيرهم إلى الفرات، واستخلف المغيرة بن شعبة على الصلاة إلى أن يقدم مجاشع بن مسعود، فإذا قدم فهو الأمير، وسار عتبة إلى عمر. فظفر مجاشع بأهل الفرات وجمع الفليكان، عظيم من الفرس، للمسلمين، فخرج إليه المغيرة بن شعبة فلقيهم بالمرغاب فاقتتلوا. فقال نساء المسلمين: لو لحقنا بهم فكنا معهم، فاتخذن من خمرهن رايات وسرن إلى المسلمين. فلما رأى المشركون الرايات ظنوا أن مدداً للمسلمين قد أقبل فانهزموا وظفر بهم المسلمون. وكتب إلى عمر بالفتح، فقال عمر لعتبة: من استعملت على البصرة؟ فقال: مجاشع بن مسعود. قال: أتستعمل رجلاً من أهل الوبر على أهل المدر؟ وأخبره بما كان من المغيرة، وأمره أن يرجع إلى عمله، فمات في الطريق، وقيل في موته غير ذلك، وسيرد ذكره سنة سبع عشرة. وكان من سبي ميسان يسار أبو الحسن البصري، وأرطبان جد عبد الله بن عون بن أرطبان. وقيل: إن إمارة عتبة البصرة كانت سنة خمس عشرة، وقيل: ست عشرة، والأول أصح، فكانت إمارته عليها ستة أشهر. واستعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة، فبقي سنتين ثم رمي بما رمي، واستعمل أبا موسى، وقيل: استعمل بعد عتبة أبا موسى وبعده المغيرة. وفيها، أعني سنة أربع عشرة، ضرب عمر ابنه عبيد الله وأصحابه في شراب شربوه وأبا محجن. وفيها أمر عمر بالقيام في شهر رمضان في المساجد بالمدينة وجمعهم على أبي بن كعب وكتب إلى الأمصار بذلك. وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب. وكان على مكة عتاب بن أسيد في قوله، وعلى اليمن يعلى بن منية، وعلى الكوفة سعد، وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح، وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص، وقيل العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان حذيفة بن محصن. وفي هذه السنة مات أبو قحافة والد أبي بكر الصديق بعد موت ابنه. وفيها مات سعد بن عبادة الأنصاري، وقيل: سنة إحدى عشرة، وقيل: سنة خمس عشرة. وفيها قتل سليط بن عمرو بن عامر بن لؤي. وفيها ماتت هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية، وكان إسلامها يوم الفتح. ثم دخلت: .سنة خمس عشرة: .ذكر الوقعة بمرج الروم: .ذكر فتح حمص وبعلبك وغيرهما: فلما خرج الشتاء قام شيخ من الروم فدعاهم إلى مصالحة المسلمين فلم يجيبوه، وقام آخر فلم يجيبوه، فناهدهم المسلمون فكبروا تكبيرة فانهدم كثير من دور حمص وزلزلت حيطانهم فتصدعت، فكبروا ثانية فأصابهم أعظم من ذلك، فخرج أهلها إليهم يطلبون الصلح ولا يعلم المسلمون بما حدث فيهم، فأجابوهم وصالحوهم على صلح دمشق، وأنزلها أبو عبيدة السمط بن الأسود الكندي في بني معاوية، والأشعث بن ميناس في السكون، والمقداد في بلي، وأنزلها غيرهم، وبعث بالأخماس إلى عمر مع عبد الله بن مسعود، وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أن أقم بمدينتك وادع أهل القوة من عرب الشام فإني غير تارك البعثة إليك. ثم استخلف أبو عبيدة على حمص عبادة بن الصامت، وسار إلى حماة، فتلقاه أهلها مذعنين، فصالحهم أبو عبيدة على الجزية لرؤوسهم والخراج على أرضهم، ومضى نحو شيزر، فخرجوا إليه يسألون الصلح على ما صالح عليه أهل حماة، وسار أبو عبيدة إلى عبيدة إلى معرة حمص، وهي معرة النعمان، نسبت بعد إلى النعمان بن بشير الأنصاري، فأذعنوا له بالصلح على ما صالح عليه أهل حمص. ثم أتى اللاذقية فقاتله أهلها، وكان لها باب عظيم يفتحه جمعٌ من الناس، فعسكر المسلمون على بعد منها، ثم أمر فحفر حائر عظيمة تستر الحفرة منها الفارس راكباً، ثم أظهروا أنهم عائدون عنها ورحلوا، فلما جنهم الليل عادوا واستتروا في تلك الحفائر، وأصبح أهل اللاذقية وهم يرون أن المسلمين قد انصرفوا عنهم فأخرجوا سرحهم وانتشروا بظاهر البلد، فلم يرعهم إلا والمسلمون يصيحون بهم ودخلوا معهم المدينة وملكت عنوةً وهرب قوم من النصارى إلى اليسيد ثم طلبوا الأمان على أن يرجعوا إلى أرضهم، فقوطعوا على خراج يؤدونه قلوا أو كثروا وتركت لهم كنيستهم، وبنى المسلمون بها مسجداً جامعاً، بناه عبادة بن الصامت، ثم وسع فيه بعد. ولما فتح المسلمون اللاذقية جلا أهل جبلة من الروم عنها، فلما كان زمن معاوية بنى حصناً خارج الحصن الرومي وشحنه بالرجال. وفتح المسلمون مع عبادة بن الصامت أنطرطوس، وكان حصيناً، فجلا عنه أهله، فبنى معاوية مدينة أنطرطوس ومصرها وأقطع بها القطائع للمقاتلة، وكذلك فعل ببانياس. وفتحت سلمية أيضاً، وقيل: إنما سميت سلمية لأنه كان بقربها مدينة تدعى المؤتفكة انقلبت بأهلها ولم يسلم منهم غير مائة نفس فبنوا لهم مائة منزل وسميت سلم مائة، ثم حرف الناس اسمها فقالوا: سلمية، وهذا يتمشى لقائله لو كان أهلها عرباً ولسانهم عربياً، وأما إذ كان لسانهم أعجمياً فلا يسوغ هذا القول. ثم إن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها داراً وبنى ولده فيها ومصروها ونزلها من نزلها من ولده، فهي وأرضوها لهم. .ذكر فتح قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية: فلما بلغ عمر صنيع خالد قال: أمر خالد نفسه، يرحم الله أبو بكر هو كان أعلم بالرجال مني! وقد كان عزله والمثنى بن حارثة وقال: إني لم أعزلهما عن ريبة ولكن الناس عظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما. فأما المثنى فإنه رجع عن رأيه فيه لما قام بعد أبي عبيد ورجع عن خالد بعد قنسرين. وأما هرقل فإنه خرج من الرهاء؛ وكان أول من أنبح كلابها ونفر دجاجها من المسلمين زياد بن حنظلة، وكان من الصحابة، وسار هرقل فنزل بشمشاط، ثم أدرب منها نحو القسطنطينية. فلما أراد المسير منها علا على نشزٍ ثم التفت إلى الشام فقال: السلام عليك يا سورية، سلام لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك رومي أبداً إلا خائفاً حتى يولد المولود المشؤوم، ويا ليته لا يولد! فما أحلى فعله وأمر فتنته على الروم. ثم سار فدخل القسطنطينية، وأخذ أهل الحصون التي بين إسكندرية وطرسوس معه لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم، وشعث الحصون، فكان المسلمون لا يجدون بها أحداً، وربما كمن عندها الروم فأصابوا غرة المتخلفين، فاحتاط المسلمون لذلك. .ذكر فتح حلب وأنطاكية وغيرهما من العواصم: وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية وقد تحصن بها كثير من الخلق من قنسرين وغيرها. فلما فارقها لقيه جمع العدو فهزمهم فألجأهم إلى المدينة وحاصرها من جميع نواحيها، ثم إنهم صالحوه على الجلاء أو الجزية، فجلا بعض وأقام بعض فآمنهم، ثم نقضوا فوجه أبو عبيدة إليهم عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة، ففتحاها على الصلح الأول. وكانت أنطاكية عظيمة الذكر عند المسلمين، فلما فتحت كتب عمر إلى عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة من المسلمين واجعلهم بها مرابطة ولا تحبس عنهم العطاء. وبلغ أبا عبيدة أن جمعاً من الروم بين معرة مصرين وحلب، فسار إليهم فلقيهم فهزمهم وقتل عدة بطارقة وسبى وغنم وفتح معرة مصرين على مثل صلح حلب وجالت خيوله فبلغت بوقا وفتحت قرى الجومة وسرمين ومرتحوان وتيزين وغلبوا على جميع أرض قنسرين وأنطاكية، ثم أتى أبو عبيدة حلب وقد التاث أهلها، فلم يزل بهم حتى أذعنوا وفتحوا المدينة. وسار أبو عبيدة يريد قورس وعلى مقدمته عياض، فلقيه راهب من رهبانها يسأله الصلح، فبعث به إلى أبي عبيدة فصالحه على صلح أنطاكية، وبث خيله فغلب على جميع أرض قورس وفتح تل عزاز، وكان سلمان بن ربيعة الباهلي في جيش أبي عبيدة فنزل في حصن بقورس فنسب إليه يعرف بحصن سلمان. ثم سار أبو عبيدة إلى منبج وعلى مقدمته عياض، فلحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية، وسير عياضاً إلى ناحية دلوك ورعبان فصالحه أهلها على مثل صلح منبج، واشترط عليهم أن يخبروا المسلمين بخبر الروم. وولي أبو عبيدة كل كورة فتحها عاملاً وضم إليه جماعة وشحن النواحي المخوفة، وسار إلى بالس، وبعث جيشاً مع حبيب بن مسلمة إلى قاصرين فصالحهم أهلها على الجزية أو الجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج، ولم يكن الجسر يومئذٍ، وإنما اتخذ في خلافة عثمان للصوائف، وقيل: بل كان له رسم قديم. واستولى المسلمون على الشام من هذه الناحية إلى الفرات، وعاد أبو عبيد إلى فلسطين. وكان بجبل اللكام مدينة يقال لها جرجرومة وأهلها يقال لهم الجراجمة، فسار حبيب بن مسلمة إليها من أنطاكية فافتتحها صلحاً على أن يكونوا أعواناً للمسلمين. وفيها سير أبو عبيدة بن الجراح جيشاً مع ميسرة بن مسروق العبسي، فسلكوا درب بغراس من أعمال أنطاكية إلى بلاد الروم، وهو أول من سلك ذلك الدرب، فلقي جمعاً للروم معهم عرب من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل، فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم لحق به مالك الأشتر النخعي مدداً من قبل أبي عبيدة وهو بأنطاكية، فسلموا وعادوا. وسير جيشاً آخر إلى مرعش مع خالد بن الوليد ففتحها على إجلاء أهلها بالأمان وأخربها. وسير جيشاً آخر مع حبيب بن مسلمة إلى حصن الحدث، وإنما سمي الحدث لأن المسلمين لقوا عليه غلاماً حدثاً فقاتلهم في أصحابه، فقيل درب الحدث، وقيل: لأن المسلمين أصيبوا به فقيل درب الحدث، وكان بنو أمية يسمونه درب السلامة لهذا المعنى. .ذكر فتح قيسارية وحصر غزة: وكان سببها: أن عمر كتب إلى يزيد بن أبي سفيان أن يرسل معاوية إلى قيسارية؛ وكتب عمر إلى معاوية يأمره بذلك، فسار معاوية إليها فحصر أهلها، فجعلوا يزاحفونه وهو يهزمهم ويردهم إلى حصنهم. ثم زاحفوه آخر ذلك مستميتين، وبلغت قتلاهم في المعركة ثمانين ألفاً وكملها في هزيمتهم مائة ألف وفتحها، وكان علقمة بن مجزز قد حصر القيقار بغزة وجعل يراسله، فلم يشفه أحد بما يريد، فأتاه كأنه رسول علقمة، فأمر القيقار رجلاً أن يقعد له في الطريق فإذا مر به قتله، ففطن علقمة فقال: إن معي نفراً يشركونني في الرأي فأنطلق فآتيك بهم، فبعث القيقار إلى ذلك الرجل أن لا يعرض له، فخرج علقمة من عنده فلم يعد وفعل كما فعل عمرو بالأرطبون. مجزز بجيم وزايين الأولى مكسورة. .ذكر فتح بيسان ووقعة أجنادين: وكان معاوية قد شغل أهل قيسارية عن عمرو، وكان عمرو قد جعل علقمة بن حكيم الفراسي ومسروق بن فلان العكي على قتال أهل إيلياء، فشغلوا من به عنه، وجعل أيضاً أبا أيوب المالكي على من بالرملة من الروم فشغلهم عنه، وتتابعت الأمداد من عند عمر إلى عمرو، وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على شيء ولا تشفيه الرسل، فسار إليه بنفسه فدخل عليه كأنه رسول، ففطن به الأرطبون وقال: لا شك أن هذا هو الأمير أو من يأخذ الأمير برأيه، فأمر إنساناً أن يقعد على طريقه ليقتله إذا مر به، وفطن عمرو لفعله فقال له: قد سمعت مني وسمعت منك، وقد وقع قولك مني موقعاً وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر إلى هذا الوالي لنكانفه فأرجع فآتيك بهم الآن رأوا الذي عرضت علي الآن فقد رآه الأمير وأهل العسكر، وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم وكنت على رأس أمرك. فقال: نعم، ورد الرجل الذي أمر بقتله. فخرج عمرو من عنده وعلم الرومي أنها خدعة اختدعه بها فقال: هذا أدهى الخلق! وبلغت خديعته عمر بن الخطاب فقال: لله در عمرو! وعرف عمرو مأخذه فلقيه فاقتتلوا بأجنادين قتالاً شديداً كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم، وانهزم أرطبون إلى إيلياء، ونزل عمرو أجنادين، وأفرج المسلمون الذين يحصرون بيت المقدس لأرطبون، فدخل إيلياء وأزاح المسلمين عنه إلى عمرو. وقد تقدم وقعة أجنادين على قول من يجعلها قبل اليرموك، وسياقها على غير هذه السياقة، فلهذا ذكرناها هنالك وها هنا. .ذكر فتح بيت المقدس وهو إيلياء: وسبب ذلك أنه لما دخل أرطبون إيلياء فتح عمرو غزة، وقيل: كان فتحها في خلافة أبي بكر، ثم فتح سبسطية، وفيها قبر يحيى بن زكرياء، عليه السلام، وفتح نابلس بأمان على الجزية، وفتح مدينة لد، ثم فتح يبنى وعمواس وبيت جبرين، وفتح يافا، وقيل: فتحها معاوية، وفتح عمرو مرج عيون، فلما تم له ذلك أرسل إلى أرطبون رجلاً يتكلم بالرومية وقال له: اسمع ما يقول، وكتب معه كتاباً، فوصل الرسول ودفع الكتاب إلى أرطبون وعنده وزراؤه، فقال أرطبون: لا يفتح والله عمرو شيئاً من فلسطين بعد أجنادين. فقالوا له: من أين علمت هذا؟ فقال: صاحبها رجل صفته كذا وكذا، وذكر صفة عمر. فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره الخبر، فكتب إلى عمر بن الخطاب يقول: إني أعالج عدواً شديداً وبلاداً قد ادخرت لك، فرأيك. فعلم عمر أن عمراً لم يقل ذلك إلا بشيء سمعه، فسار عمر عن المدينة. وقيل: كان سبب قدوم عمر إلى الشام أن أبا عبيدة حصر بيت المقدس، فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشام وأن يكون المتولي للعقد عمر بن الخطاب، فكتب إليه ذلك، فسار عن المدينة واستخلف عليها علي ابن أبي طالب، فقال له علي: أين تخرج بنفسك؟ إنك تريد عدواً كلباً. فقال عمر: أبادر بالجهاد قبل موت العباس، إنكم لو فقدتم العباس لانتفض بكم الشر كما ينتقض الحبل. فمات العباس لست سنين من خلافة عثمان، فانتقض بالناس الشر. وسار عمر فقدم الجابية على فرس، وجميع ما قدم الشام أربع مرات: الأولى على فرس، الثانية على بعير، والثالثة على بغل، رجع لأجل الطاعون، والرابعة على حمار. وكتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه بالجابية ليوم سماه لهم في المجردة ويستخلفوا على أعمالهم، فلقوه حيث رفعت لهم الجابية، فكان أول من لقيه يزيد وأبو عبيدة ثم خالد على الخيول عليهم الديباج والحرير، فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال: ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم! إياي تستقبلون في هذا الزي وإنما شبعتم مذ سنتين! وبالله لو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم. فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنها يلامقة، وإن علينا السلاح. قال: فنعم إذن. وركب حتى دخل الجابية وعمرو وشرحبيل بأجنادين كأنهما لم يتحركا من مكانهما. فلما قدم عمر الجابية قال له رجل من اليهود يا أمير المؤمنين، إنك لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء، وكانوا قد شجوا عمراً وأشجاهم ولم يقدر عليها ولا على الرملة. فبينما عمر معسكر بالجابية فزع الناس إلى السلاح، فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: ألا ترى إلى الخيل والسيوف؟ فنظر فإذا كردوس يلمعون بالسيوف. فقال عمر: مستأمنة فلا تراعوا، فأمنوهم، وإذا أهل إيلياء وحيزها، فصالحهم على الجزية وفتحوها له؛ وكان الذي صالحه العوام من أهل إيلياء والرملة لأن أرطبون والتذارق دخلا مصر لما وصل عمر إلى الشام وأخذا كتابه على إيلياء وحيزها والرملة وحيزها، فشهد ذلك اليهودي الصلح. فسأله عمر عن الدجال، وكان كثير السؤال عنه. فقال له: وما مسألتك عنه يا أمير المؤمنين؟ أنتم والله تقتلونه دون باب لد ببضع عشرة ذراعاً. وأرسل عمر إليهم بالأمان وجعل علقمة بن حكيم على نصف فلسطين وأسكنه الرملة، وجعل علقمة بن مجزز على نصفها الآخر وأسكنه إيلياء. وضم عمراً وشرحبيل إليه بالجابية، فلقياه راكباً فقبلا ركبتيه، وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما. ثم سار إلى بيت المقدس من الجابية فركب فرسه فرأى به عرجاً، فنزل عنه وأتي ببرذون فركبه، فجعل يتجلجل به، فنزل وضرب وجهه وقال: لا أعلم من علمك هذه الخيلاء! ثم لم يركب برذوناً قبله ولا بعده. وفتحت إيلياء وأهلها على يديه. وقيل: كان فتحها سنة ست عشرة، ولحق أرطبون ومن أبى الصلح من الروم بمصر، فلما ملك المسلمون مصر قتل، وقيل: بل لحق بالروم، فكان يكون على صوائفهم، والتقى هو وصاحب صائفة المسلمين، ومع المسلمين رجل من قيس يقال له ضريس، فقطع يد القيسي وقتله القيسي، فقال فيه:
|