الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
جمع المنقبة وهي الشرف والفضيلة. 3754- حَدّثَنَا خَلاّدُ بنُ أسْلَمَ البَغْدَادِيّ حدثنا مُحمّدُ بنُ مُصْعَبٍ حدثنا الأوْزَاعِيّ عَن أبي عَمّارٍ عَن وَاثِلَةَ بنِ الأسْقَعِ رضي الله عنه قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ إسمَاعِيلَ، واصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إسمَاعِيلَ بنِي كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشاً، واصْطَفَى مِنْ قَرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِم". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. 3755- حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّمَشْقِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدثنا الأَوْزَاعِيّ أَخبرنَا شَدّادُ أبُو عَمّارٍ حَدّثَنِي وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ قالَ: قاَل رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، واصْطَفَى هَاشِماً مِنْ قُرَيْش، واصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غرِيبٌ. 3756- حَدّثَنَا يُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيّ حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ مُوسَى عَن إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الْحَارِثِ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ قالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ قُرَيْشاً جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ كمَثَلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الأرْضِ. فقال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي من خيرهم مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ وَخَيْر الفَرِيقَيْنِ، ثُمّ تخيّر القَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ القَبِيلَةِ، ثُمّ تَخَير البُيُوت فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ فأنَا خَيْرُهُمْ نَفْساً وَخَيْرُهُمْ بَيْتاً". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ. وَعَبْدُ اللّهِ بنُ الْحَارِثِ هُوَ أبو نَوْفَلٍ. 3757- حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو أَحْمَدَ حدثنا سُفْيَانُ عَن يَزِيدَ بنِ أبي زِيادٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الْحَارِثِ عَن المُطّلِبِ بنِ أبِي وَدَاعَةَ قالَ: "جَاءَ العَبّاسُ إِلَى رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنّهُ سَمِعَ شَيْئاً، فقامَ النبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ فقالَ: مَنْ أَنَا؟ فقَالُوا أنْتَ رَسُولُ اللّهِ عَلَيْكَ السّلاَمُ، قالَ أنَا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ اللّهِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ. إِنّ اللّهَ خَلَقَ الَخَلْقَ فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ فرقة، ثُمّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي في خَيْرِهِمْ بَيْتاً وَخَيْرِهِمْ نَفْساً". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَرُوِيَ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن يَزِيدَ بنِ أبِي زِيَادٍ نَحْوَ حَدِيثِ إسمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الحارِثِ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ. 3758- حَدّثَنَا أبُو هَمّامٍ الوَلِيدُ بنُ شُجَاعِ بنِ الوَليدِ البَغْدَادِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عَن الأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَـى بنِ أَبِي كَثِيرٍ عَن أَبِي سَلَمَةَ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: "قالُوا يا رَسُولَ اللّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النّبُوّةُ؟ قالَ وَآدَمُ بَيْنَ الرّوحِ وَالْجَسَدِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أبي هُريْرَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وفي الباب عن ميسرة الفجر. قوله (حدثنا خلاد بن أسلم) الصفار أبو بكر البغدادي أصله من مرو ثقة من العاشرة (حدثنا محمد بن مصعب) بن صدقة القرقساني بضم القافين بينهما راء ساكنة صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة (عن أبي عمار) اسمه شداد بن عبد الله. قوله: (إن الله اصطفى) أي اختار يقال استطفاه واصطفاه إذا اختاره وأخذ صفوته، والصفوة من كل شيء خالصة وخياره (من ولد إبراهيم) بفتح الواو واللام وبالضم والسكون أي من أولاده (واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) بكسر الكاف ابن خزيمة (واصطفى من بني كنانة قريشاً) وهم أولاد نضر بن كنانة كانوا تفرقوا في البلاد فجمعهم قصي بن كلاب في مكة فسموا قريشاً لأنه قرشهم أي جمعهم ولكنانة ولد سوى النضر وهم لا يسمون قريشاً لأنهم لم يقرشوا ويأتي بقية الكلام بما يتعلق بقريش في فضل الأنصار وقريش (واصطفاني من بني هاشم) في شرح السنة هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن النضر بن نزار بن معد بن عدنان ولا يصح حفظ النسب فوق عدنان انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم. - قوله: (فجعلوا مثلك) بفتح الميم والمثلثة أي صفتك (مثل نخلة في كبوة من الأرض) أي كصفة نخلة نبتت في كناسة من الأرض، والمعنى أنهم طعنوا في حسبك. قال الجزري في النهاية: قال شمر لم نسمع الكبوة ولكنا سمعنا الكبا والكبة وهي الكناسة والتراب الذي يكنس من البيت، وقال غيره الكبة من الأسماء الناقصة أصلها كبوة مثل قلة وثبة أصلهما قلوة وثبوة ويقال للربوة كبوة بالضم، وقال الزمخشري الكبا الكناسة وجمعه أكباء والكبة بوزن قلة وظبة ونحوها وأصلها كبوة وعلى الأصل جاء الحديث إلا أن المحدث لم يضبط الكلمة فجعلها كبوة بالفتح فإن صحت الرواية بها فوجهه أن تطلق الكبوة وهي المرة الواحدة من الكسح على الكساحة والكناسة انتهى (إن الله خلق الخلق) أي المخلوقات يعني ثم جعلهم فرقاً (فجعلني من خير فرقهم) بكسر الفاء وفتح الراء أي من أشرفها وهو الإنس (وخير الفريقين) أي العرب والعجم (ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة) يعني من قبيلة قريش، وفي رواية أحمد: إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة. ونحو ذلك في الرواية الاَتية (ثم خير البيوت) أي البطون (فجعلني من خير بيوتهم) أي من بطن بني هاشم (فأنا خيرهم نفساً) أي روحاً وذاتاً إذ جعلني نبياً رسولاً خاتماً للرسل (وخيرهم بيتاً) أي أصلاً إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح. - قوله: (جاء العباس) أي غضبان (وكأنه سمع شيئاً) أي من الطعن في نسبه أو حسبه (فقال من أنا) استفهام تقرير على جهة التبكيت (فقالوا أنت رسول الله) فلما كان قصده صلى الله عليه وسلم بيان نسبه وهم عدلوا عن ذلك المعنى ولم يكن الكلام في ذلك المبنى (قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) يعني وهما معروفان عند العارف المنتسب. قال الطيبي قوله فكأنه سمع مسيب عن محذوف أي جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعناً من الكفار في رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} كأنهم حقروا شأنه وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي مثلاً فأقرهم صلى الله عليه وسلم على سبيل التبكيت على ما يلزم تعظيمه وتفخيمه فإنه الأولى بهذا الأمر من غيره، لأن نسبه أعرف. ومن ثم لما قالوا: أنت رسول الله ردهم بقوله أنا محمد بن عبد الله. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا شداد أبو عمار) هو شداد بن عبد الله. - قوله: (حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد البغدادي) السكوني ثقة من العاشرة. قوله: (متى وجبت لك النبوة) أي ثبتت (قال وآدم بين الروح والجسد) أي وجبت لي النبوة والحال أن آدم مطروح على الأرض صورة بلا روح، والمعنى أنه قبل تعلق روحه بجسده. قال الطيبي هو جواب لقولهم متى وجبت أي وجبت في هذه الحالة فعامل الحال وصاحبها محذوفان. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب إلخ) ورواه ابن سعد وأبو نعيم في الحلية عن ميسرة الفخر وابن سعد عن ابن أبي الجدعاء والطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد. كذا في الجامع الصغير. قال القاري في المرقاة: وقال ابن ربيع أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه وصححه الحاكم، وروى أبو نعيم في الدلائل وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعاً: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، وأما ما يدور على الألسنة بلفظ: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين. فقال السخاوي لم أقف عليه بهذا اللفظ فضلاً عن زيادة وكنت نبياً ولا ماء ولا طين. وقال الحافظ ابن حجر في بعض أجوبته: إن الزيادة ضعيفة وما قبلها قوي، وقال الزركشي: لا أصل له بهذا اللفظ ولكن في الترمذي: متى كنت نبياً؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. قال السيوطي: وزاد العلوم ولا آدم ولا ماء ولا طين ولا أصل له أيضاً انتهى ما في المرقاة.
3759- حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ الكُوفِيّ حَدّثَنَا عَبْدُ السّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عَن لَيْثٍ عَن الرّبِيعِ بنِ أَنَسٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَوّلُ النّاسِ خُرُوجاً إِذَا بُعِثُوا وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشّرُهُمْ إذَا أَيِسُوا. لِوَاءُ الحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبّي وَلاَ فَخْرَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. 3760- حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ حدثنا عَبْدُ السّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عَن يَزيِدَ بن أَبي خَالِدٍ عَن المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ الحارِثِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قاَل رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَوّلُ مَنْ تَنْشَق عَنْهُ الأرْضُ فأُكْسَى حُلّةَ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ ثمّ أَقُومُ عَن يَمِينِ العَرْشِ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلاَئِق يَقُومُ ذَلِكَ المَقَامَ غَيْرِي". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ. - قوله: (عن ليث) هو ابن أبي سليم قوله: (إذا بعثوا) أي من قبورهم (وأنا خطيبهم) أي المتكلم عنهم (إذا وفدوا) أي إذا قدموا على الله والوفد جماعة يأتون الملك لحاجته (وأنا مبشرهم) أي المؤمنين بالرحمة والمغفرة (إذا أيسوا) أي إذا غلب عليهم اليأس من روح الله (لواء الحمد يومئذ بيدي) تقدم شرحه في آخر تفسير سورة بني إسرائيل (وأنا أكرم ولد آدم على ربي) إخبار بما منحه من السؤدد وتحدث بمزيد الفضل والإكرام (ولا فخر) أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله تعالى لم أنلها من قبل نفسي ولا نلتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي. - قوله: (عن يزيد أبي خالد) هو يزيد بن عبد الرحمن الدالاني الأسدي الكوفي صدوق يخطئ كثيراً وكان يدلس من السابعة (عن عبد الله بن الحارث) البصري. قوله: (أنا أول من تنشق عنه الأرض) أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثاً فهو من خصائصه (فأكسي) بصيغة المتكلم المجهول أي فأبعث فأكسي (ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري) أي هذه خصيصة شرفني الله بها والخلائق جمع خلق فيشمل الثقلين والملائكة
3761- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنَا أبُو عَاصِمٍ حدثنا سُفْيَانُ وَهُوَ الثّوْرِيّ عَن لَيْثٍ وَهُو ابنُ أَبِي سُلَيْمٍ قالَ حدثني كَعْبٌ حدثني أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَلُوا الّلهَ لِي الوَسِيلَةَ، قالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا الوَسِيلَةُ؟ قالَ أَعْلَى دَرَجَةٍ في الْجَنّةِ لاَ يَنَاُلهَا إِلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَرْجُوا أَنْ أكُونَ أَنَا هُوَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بالقوي وَكَعْبٌ لَيْسَ هُوَ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً رَوَى عَنْهُ غَيْر لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ. 3762- حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيّ حدثنا زُهَيْرُ بنُ مُحَمّدٍ عَن عَبْدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عقيْلٍ عَن الطّفَيْلِ بنِ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ عَن أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلِي في النّبِيّينَ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَاراً فأحْسَنَهَا وأَكْمَلَهَا وَجَمَلَهَا وَتَرَكَ مِنْهَا مَوْضِعَ لَبنَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ يَطُوفُونَ بالبِناء ويَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ لَوْ تَمّ مَوْضعُ تِلْكَ اللّبِنَةِ وأَنَا في النّبِيّينَ بِمَوْضِعُ تِلْكَ اللّبِنَةِ"... وَبِهَذَا الإِسْنَاد عَن النبّي صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النّبِيّينَ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرَ فَخْرٍ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريب. 3763- حَدّثَنَا ابنُ أَبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ عَن ابن جدْعَانَ عَن أَبِي نَضْرَةَ عَن أَبِي سَعِيدٍ قالَ قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيّ يَوْمَئِذٍ- آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ- إلاّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوّلُ مَنْ تَنشَقّ عَنْهُ الأرْضُ وَلاَ فَخْرَ. قال أبو عيسى: وَفِي الْحَدِيثِ قِصّةٌ. وَهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وقد روي بهذا الإسناد عن أبي نضرة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. 3764- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدثنا عَبْدُ اللّهِ بنُ يَزِيدَ المقبري حدثنا حَيْوَةُ أَخبرنا كَعْبُ بنُ عَلْقَمَة سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بنَ جُبَيْرٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بنَ عَمْرٍو أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المؤزن ثُمّ صَلّوا عَلَيّ فَإِنّه مَنْ صَلّى عَلَيّ صَلاَةً صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمّ سَلوا لي الوَسِيلَةَ فإِنّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنّةِ لاَ تَنْبَغِي إلاّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللّهِ وَأرْجُو أنْ أكُونَ أَنَا هُوَ، وَمَنْ سَأَلَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلّتْ عَلَيْهِ الشّفَاعَةُ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. قالَ مُحَمّدٌ: عبْدُ الرّحْمَن بنُ جبَيْرٍ هَذَا قُرَشِيّ وهو مِصْرِيّ مدني وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ بنِ نُفَيْرٍ شَامِيّ. 3765- حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ حدثنا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ عَبْدِ المَجِيدِ حدثنا زَمْعَةُ بنُ أبِي صَالِحٍ عَن سَلَمَة بنِ وَهْرَامَ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَهُ قالَ فَخَرَجَ حَتّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ فقالَ بَعْضُهُمْ عَجَباً إنّ اللّهَ عز وجلّ اتّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ خَلِيلاً اتّخَذَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَليِلاً. وَقالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلاَمِ مُوسَى كَلّمَهُ تَكْلِيماً. وقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَةُ اللّهِ وُروحُهُ. وَقالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللّهُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلّمَ وَقالَ: "قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ. إنّ إِبْرَاهِيمَ خَليلُ اللّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيّ اللّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وآدَمُ اصْطَفَاهُ اللّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ اللّهِ وَلاَ فَخْرَ، وأنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوّلُ شَافِعٍ وَأَوّلُ مُشَفّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوّلُ مَنْ يُحَرّكُ حِلَقَ الْجَنّةِ فَيَفْتَحُ اللّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوّلِينَ وَالاَخَرِينَ وَلاَ فَخْرَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ غَرِيبٌ. 3766- حَدّثَنَا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطّائِيّ البَصْرِيّ حدثنا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ (قال) حدثني أَبُو مَوْدُودٍ المَدَنِيّ أَخبرنا عُثْمَانُ بن الضّحّاكِ عَن مُحَمّدِ بنِ يُوسُفَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ سَلاَمٍ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قال: "مَكْتُوبٌ في التّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمّدٍ، وَصِفَةُ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ. قالَ فقالَ أَبُو مَوْدُودٍ: وقَدْ بَقِيَ في البَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. هكذاَ قالَ عُثْمَانُ بنُ الضّحّاكِ والمَعْرُوفُ الضّحّاكُ بنُ عُثْمَانَ المَدَنِيّ. 3767- حَدّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصّوّافُ البَصْرِيّ أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "لَمّا كانَ اليَوْمُ الّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلّ شَيْءٍ، فَلَمّا كَانَ اليَوْمُ الّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلّ شَيْءٍ، وَلمَا نَفَضْنَا عَن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الأَيْدِي وَإنّا لَفِي دَفْنِهِ حَتّى أنْكَرْنَا قُلُوبَنَا". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ صحيحٌ غَريب. - قوله: (حدثنا أبو عاصم) اسمه ضحاك بن مخلد النبيل. قوله: (سلوا الله لي الوسيلة) أي المذكورة في دعاء الأذان آت محمداً الوسيلة، قال في النهاية الوسيلة في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به وجمعها وسائل يقال وسل إليه وسيلة وتوسل والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى، وقيل هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل هي منزلة من منازل الجنة كذا جاء في الحديث انتهى. قال الطيبي: وإنما طلب عليه السلام من أمته الدعاء له بطلب الوسيلة افتقاراً إلى الله تعالى وهضماً لنفسه أو لينفع أمته ويثاب به أو يكون إرشاداً لهم في أن يطلب كل منهم من صاحبه الدعاء له (قالوا يا رسول الله وما الوسيلة) أي المطلوبة المسئولة. قال الطيبي عطف على مقدر أي نفعل ذلك وما الوسيلة (قال أعلى درجة في الجنة) أي هي أعلى درجة في الجنة (لا ينالها) أي لا يدرك تلك الدرجة العالية (إلا رجل واحد) أبهمه تواضعاً (أرجو) أي أؤمل (أن أكون أنا هو) وضع الضمير المرفوع أعني هو موضع المنصوب أعني إياه. قوله: (وكعب ليس هو بمعروف) قال في التقريب كعب المدني أبو عامر مجهول من الرابعة، وقال في تهذيب التهذيب كعب المدني روى عن أبي هريرة وعنه ليث بن أبي سليم ذكره ابن حبان في الثقات وقال كنيته أبو عامر أخرج له الترمذي حديثه عن أبي هريرة في ذكر الوسيلة وابن ماجه حديث: اللهم إني أعوذ بك من الجوع. قال الحافظ: ولما ذكره المزي في الأطراف قال كعب المدني أحد المجاهيل. - قوله: (مثلي) أي صفتي العجيبة الشأن (فأحسنها) أي أحسن بناءها (وأكملها) أي جعلها كاملة (وأجملها) أي حسنها وزينها (موضع لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة واحدة اللبن وهو ما يبنى به الجدار ويقال بكسر اللام وسكون الموحدة. قوله: (غير فخر) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي قولي هذا ليس بفخر. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان عن جابر بن عبد الله وعن أبي هريرة وأخرجه الترمذي أيضاً عن جابر في باب مثل النبي والأنبياء. - قوله: (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن ابن جدعان) هو علي بن زيد بن جدعان (عن أبي نضرة) اسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوفي. قوله: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أي ولا أقوله تفاخراً بل اعتداداً بفضله وتحدثاً بنعمته وتبليغاً لما أمرت به قال الطيبي: قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر. قال التوربشتي: الفخر ادعاء العظمة والمباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه (وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي) تقدم شرح هذه الجملة في آخر تفسير سورة بني إسرائيل. قوله: (وفي الحديث قصة) أخرجه الترمذي مع القصة في آخر تفسير سورة بني إسرائيل. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا عبد الله بن يزيد المقري) أبو عبد الرحمن المكي (أخبرنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المصري (أخبرنا كعب بن علقمة) بن كعب المصري (سمع عبد الرحمن بن جبير) المصري المؤذن العامري ثقة عارف بالفرائض من الثالثة (سمع عبد الله بن عمرو) بن العاص السهمي. قوله: (فقولوا مثل ما يقول) أي المؤذن وهذا مخصوص بحديث عمر عند مسلم أنه يقول في الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله (صلوا علي) بتشديد الياء (فإنه) الضمير للشأن (صلاة) أي واحدة (صلى الله عليه بها عشراً) أي أعطاه الله بتلك الصلاة الواحدة عشراً من الرحمة (ثم سلوا) أي الله تعالى (فإنها) أي الوسيلة (منزلة في الجنة) هي أعلى منازل الجنة (لا تنبغي إلا لعبد) أي لا تصلح ولا تليق تلك المنزلة إلا لعبد واحد (وأرجو) من الرجاء وهو الأمل (أن أكون أنا هو) قيل هو خبر كان وضع موضع إياه والجملة من باب وضع الضمير موضع اسم الإشارة أي أكون ذلك العبد، ويحتمل أن أكون أنا مبتدأ لا تأكيداً وهو خبره الجملة خبر أكون، وقيل يحتمل على الأول أن الضمير وحده وضع موضع اسم الإشارة (حلت عليه الشفاعة) أي صارت حلالاً له غير حرام، وفي بعض نسخ مسلم: حلت له الشفاعة، قال النووي معناه وجبت وقيل نالته انتهى. وقال القاري وقيل من الحلول بمعنى النزول يعني استحق أن أشفع له مجازاة لدعائه. وقد تقدم شيء من الكلام في هذا في الباب الذي بعد باب ما يقول إذا أذن المؤذن من الدعاء. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. (قال محمد) يعني الإمام البخاري (عبد الرحمن بن جبير هذا قرشي الخ) مقصود الترمذي بيان الفرق بين عبد الرحمن بن جبير المذكور في السند وعبد الرحمن بن جبير بن نفير فالأول قرشي مصري والثاني شامي. - قوله: (حدثنا عبد الله بن عبد المجيد) الحنفي البصري (حدثنا زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم (بن صالح) الجندي بفتح الجيم والنون اليماني نزيل مكة أبو وهب ضعيف وحديثه عند مسلم مقرون من السادسة (عن سلمة بن وهرام) بفتح الواو وبالهاء والراء اليماني صدوق من السادسة. قوله: (فخرج) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا دنا) أي قرب (سمعهم) حال من الضمير في دنا وقد مقدرة (يتذاكرون) حال من الضمير المنصوب في سمعهم كذا ذكره الطيبي. قال القاري: والظاهر أن قوله سمعهم جواب إذا (اتخذ إبراهيم خليلاً) كما قال الله تعالى {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} (ماذا بأعجب من كلام موسى) أي اتخاذ الله إبراهيم خليلاً ليس بأعجب من تكليمه موسى (كلمه تكليماً) كما قال الله تعالى {وكلم الله موسى تكليماً} (فعيسى كلمة الله) أي أثر كلمته كن. قال الطيبي: الفاء في قوله فعيسى جواب شرط محذوف أي إذا ذكرتم الخليل فاذكروا عيسى كقوله تعالى {فلم تقتلوهم} أي إذا افتخرتم بقتلهم فإنكم لم تقتلوهم (وروحه) قال الله تعالى {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} والإضافة في كلمة الله وروحه تشريفية (آدم اصطفاه الله) كما قال الله تعالى {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} (فخرج عليهم) أي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وكرره لينيط به غير ما أناط به أولاً أو يكون خرج أولاً من مكان وثانياً منه إلى آخر (فسلم) أي عليهم (قد سمعت كلامكم وعجبكم) بفتحتين أي وفهمت تعجبكم فهو من باب قلدت سيفاً ورمحاً (وهو كذلك) أي كون إبراهيم خليل الله حق وصدق (وموسى نجى الله) فعيل من النجوى بمعنى الفاعل أو المفعول أي كليم الله (ألا) بالتخفيف للتنبيه جيء به للتأكيد بين المعطوف والمعطوف عليه (وأنا حبيب الله) أي محبه ومحبوبه. قال الطيبي قرر أولاً ما ذكر من فضائلهم بقوله وهو كذلك ثم نبه على أنه أفضلهم وأكملهم وجامع لما كان متفرقاً فيهم في الحبيب خليل ومكلم ومشرف انتهى (وأنا حامل لواء الحمد) بالإضافة (وأول مشفع) اسم مفعول من التشفيع أي مقبول الشفاعة (وأنا أول من يحرك حلق الجنة) بفتح الحاء ويكسر جمع حلقة (فيفتح الله لي) أي بابها. قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارمي. - قوله: (حدثني أبو مودود) اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان (عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام) الإسرائيلي المدني مقبول من الرابعة (عن أبيه) أي يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير وقد ذكره العجلي في ثقات التابعين (عن جده) أي عبد الله بن سلام الصحابي المشهور (قال) أي عبد الله بن سلام (مكتوب في التوراة) خبر مقدوم (صفة محمد) أي نعته صلى الله عليه وسلم (وعيسى ابن مريم يدفن معه) عطف على المبتدأ أي في حديث قال الحافظ أي ومكتوب فيها أيضاً أن عيسى يدفن معه. فيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام بعد نزوله وموته يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن عائشة في حديث قال الحافظ لا يثبت أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه فقال لها وأنى لك بذلك وليس في ذلك الموضع إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم. وفي أخبار المدينة من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال إن قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام، ويؤيده أيضاً حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمساً وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى ابن مريم في قبر واحد بين أبي بكر وعمر". رواه ابن الجوزي في كتاب الوفاء ذكره الشيخ ولي الدين في المشكاة ولم أقف عن سنده (قد بقي في البيت) أي في حجرة عائشة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (هكذا قال) هذا قول الترمذي وضمير قال راجع إلى شيخه زيد أخزم (عثمان بن الضحاك) هذا بيان لقوله هكذا (والمعروف الضحاك بن عثمان المديني) قال في التقريب: عثمان بن الضحاك المدني يقال هو الحزامي ضعيف قاله أبو داود قال الترمذي الصواب ضحاك بن عثمان يعني أنه قلب. - قوله: (أضاء منها) أي أشرق من المدينة (كل شيء) بالرفع على أنه فاعل أضاء وهو لازم وقد يتعدى (أظلم) ضد أضاء (وما نفضنا) من النفض وهو تحريك الشيء ليزول ما عليه من التراب والغبار ونحوهما (وإنا لفي دفنه) أي مشغولون بعد والجملة حالية (حتى أنكرنا قلوبنا) بالنصب على المفعولية. قال التوربشتي: يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة لانقطاع مادة الوحي وفقدان ما كان يمدهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من التأييد والتعليم ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق انتهى. وقال في اللمعات: لم يرد عدم التصديق الإيماني بل هو كناية عن عدم وجدان النورانية والصفاء الذي كان حاصلاً من مشاهدته وحضوره صلى الله عليه وسلم لتفاوت حال الحضور والغيبة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الدارمي بلفظ: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوء من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أي وقت ولادته صلى الله عليه وسلم. قال ابن الجوزي في التلقيح: اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك لولادته على أربعة أقوال أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه، والثاني لثمان خلون منه، والثالث لعشر خلون منه، والرابع لإثنتي عشرة خلت منه انتهى 3768- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ العَبْدِيّ أخبرنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدثنا أَبِي قالَ سَمِعْتُ مُحَمّدَ بنَ إسْحَاقَ يُحَدّثُ عَن المُطّلِبِ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ قالَ: "وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفِيلِ- قَالَ وَسأَلَ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ قُبَاثَ بنَ أَشْيَمَ أخَا بَنِي يَعْمرَ بنِ لَيْثٍ- أَأَنْتَ أَكْبَرُ أمْ رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أكْبَرُ مِنّي وأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي المِيلاَدِ، قالَ وَرَأَيْتُ خَذْقَ الفيل أَخْضَرَ مُحِيلاً". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بنِ إِسْحَاقَ. - قوله: (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم (سمعت محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي (عن المطلب بن عبد الله بن مخرمة) بن المطلب بن عبد مناف المطلبي مقبول من السادسة (عن أبيه) أي عبد الله بن قيس يقال له روية وهو من كبار التابعين واستقضاه الحجاج على المدينة سنة ثلاث وسبعين ومات سنة ست وسبعين (عن جده) أي قيس بن مخرمة صحابي كان أحد المؤلفة ثم حسن إسلامه. قوله: (ولدت) بصيغة المتكلم المجهول (عام الفيل) أي سنة إهلاك أصحابه (قال) أي قيس بن مخرمة (وسأل عثمان بن عفان) أمير المؤمنين ذو النورين رضي الله عنه (قباث) بقاف مضمومة وخفة باء وبمثلثة وقيل بفتح قاف قال كذا في المغني (بن أشيم) بمعجمة وتحتانية وزن أحمد بن عامر الكندي الليثي صحابي عاش إلى أيام عبد الملك بن مروان (فقال) أي قباث بن أشيم (وأنا أقدم منه) أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الميلاد) أي وقت الولادة (قال) أي قباث بن أشيم (ورأيت خذق الطير) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين وبالقاف أي روثها وفي بعض النسخ حذق الفيل (محيلاً) بضم الميم وكسر الحاء المهملة من الإحالة أي متغيراً قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد مختصراً.
3769- حَدّثَنَا الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ أَبُو العَبّاسِ الأعْرَجُ البَغْدَادِيّ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنِ غَزْوَانَ أبو نوح أَخبرنا يُونُسُ بنُ أبي إسحَاقَ عَن أَبِي بَكْرِ بنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ عَن أَبِيهِ قالَ: "خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في أَشْيَاخٍ مِنْ قرَيْشٍ فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَى الرّاهِبِ هَبَطَوا فَحَلّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرّاهِبُ وكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرّونَ بِهِ فَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَلْتَفِتُ، قالَ فهُمْ يَحُلّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلّلُهُمُ الرّاهِبُ حَتّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ هَذَا سَيّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ. يَبْعَثُهُ اللّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فقالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَا عِلْمُكَ؟ فقالَ إنّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الَعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ حَجَرٌ وَلاَ شَجَرٌ إلاّ خَرّ سَاجِداً. وَلاَ يَسْجُدَانِ إلاّ لِنَبِيّ وَإِنّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النّبُوّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التّفّاحَةِ ثُمّ رَجَعَ فَصَنَع لَهُمْ طَعَاماً فَلَمّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإبِلِ فقالَ أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فأقبَلَ وعليه غمامةٌ تُظِلّهُ، فلمّا دَنَا مِنَ القومِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إلى فَيْءِ الشّجَرَةِ فَلَمّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشّجَرَةِ عَلَيْهِ فقالَ انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. قالَ فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أنْ لاَ يَذْهَبُوا بِهِ إلى الرّومِ فإِنّ الرّومَ إِنْ رَأوْهُ عَرَفُوهُ بالصّفَةِ فَيَقْتُلُونهُ، فالْتَفَتَ فإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرّومِ فاسْتَقْبَلَهُمْ فقالَ: ما جَاءَ بِكُمْ؟ قالُوا جِئْنَا إِنّ هَذَا النبِيّ خَارِجٌ في هَذَا الشّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إلاّ بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وإنّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبَعَثَنَا إلى طَرِيقِكَ هَذَا، فقالَ هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قالُوا إِنّمَا أُخْتِرْنَا خَيرة لِطَرِيقِكَ هَذَا. قالَ أَفَرَأَيْتُمْ أَمْراً أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ رَدّهُ؟ قالُوا لاَ. قالَ فَبَاَيَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ، قالَ أَنْشُدُكُمْ باللّهِ أَيّكُمْ وَلِيّهُ؟ قالُوا أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتّى رَدّهُ أبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أبُو بَكْرٍ بِلاَلاً وَزَوّدَهُ الرّاهِبُ مِنَ الكَعْكِ وَالزّيْتِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. - قوله: (حدثنا يونس بن أبي إسحاق) السبيعي. قوله: (في أشياخ من قريش) أي في جملتهم والمراد منهم أكابرهم شرفاً أو سناً (فلما أشرفوا) أي طلعوا (على الراهب) اسمه بحيراً بضم الباء وفتح الحاء ممدوداً على المشهور لكن ضبطه الشيخ الجزري بفتح الباء وكسر الحاء المهملة وياء ساكنة وفتح الراء وألف مقصورة وهو زاهد النصارى. وقال المظهر كان أعلم بالنصرانية وكذا ذكره الجزري كذا في المرقاة (هبط) من الهبوط أي نزل أبو طالب ومن معه في ذلك الموضع وهو بصري من بلاد الشام على ما ذكره المظهر وفي المشكاة هبطوا بلفظ الجمع (فحلوا رحالهم) أي فتحوها (وكانوا) أي الناس من قريش وغيرهم (قال) أي أبو موسى (فجعل يتخللهم الراهب) أي أخذ يمشي فيما بين القوم ويطلب في خلالهم شخصاً (يبعثه لله) أي يجعله نبياً ويظهر رسالته (ما علمك) أي ما سبب علمك (إلا خر) من الخرور أي سقط (وإني أعرفه) أي النبي أيضاً (بخاتم النبوة) بفتح التاء ويكسر (أسفل) بالنصب أي في مكان أسفل (من غضروف كتفه) بضم الغين المعجمة والراء بينهما ضاد معجمة وهو رأس لوح الكتف (مثل التفاحة) قيل يروى بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بالنصب على إضمار الفعل ويجوز الجر على الإبدال دون الصفة لأن مثله وغيره لا يتعارفان بالإضافة إلى المعرفة (ثم رجع) أي الراهب من عندهم (فلما أتاهم به) أي بالطعام (فكان هو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في رعية الإبل) بكسر الراء وسكون العين أي في رعايتها (فقال) أي الراهب لهم (أرسلوا إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه للطعام (وعليه غمامة) أي سحابة (تظله) بضم الفوقية من الإظلال أي تجعله تحت ظلها (وجدهم) أي وجد النبي صلى الله عليه وسلم القوم (إلى فيء شجرة) أي ظلها (مال فيء الشجرة عليه) أي مال ظلها واقعاً عليه (فقال) أي الراهب (وهو يناشدهم) أي يقسم عليهم قال في النهاية يقال نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك ونشدته نشدة ونشداناً ومناشدة وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت حيث قالوا نشدتك الله وبالله كما قالوا دعوت زيداً أو يزيد أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت انتهى (أيكم وليه) أي قريبه والجملة مبتدأ وخبر (قالوا أبو طالب) أي وليه (فلم يزل) أي الراهب (يناشده) أي يناشد أبا طالب ويطالب رده عليه السلام خوفاً عليه من أهل الروم أن يقتلوه في الشام ويقول لأبي طالب بالله عليك أن ترد محمداً إلى مكة وتحفظه من العدو (حتى رده أبو طالب) أي إلى مكة شرفها الله تعالى (وبعث معه أبو بكر بلالاً) وفي رواية علي عن أبيه أنه قال فرددته مع رجال وكان فيهم بلال أخرجه رزين (وزوده الراهب من الكعك) هو الخبز الغليظ على ما في الأزهار وقيل هو خبز يعمل مستديراً من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك الواحدة كعكة والجمع كعكات، وقال في القاموس هو خبز معروف فارسي معرب (والزيت) أي لإدام ذلك الخبز، وقد روى الترمذي في باب أكل الزيت عن عمر وأبي أسيد مرفوعاً: "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة". قوله: (هذا حديث حسن غريب) قال الجزري: إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أو أحدهما وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ وعدة أئمتنا وهما وهو كذلك فإن سن النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك اثنا عشرة سنة وأبو بكر أصغر منه بسنتين وبلال لعله لم يكن ولد في ذلك الوقت انتهى. وقال في ميزان الاعتدال: قيل مما يدل على بطلان هذا الحديث قوله وبعث معه أبو بكر بلالاً وبلال لم يخلق بعد وأبو بكر كان صبياً انتهى، وضعف الذهبي هذا الحديث لقوله وبعث معه أبو بكر بلالاً فإن أبا بكر إذ ذاك ما اشترى بلالاً. وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات وليس فيه سوى هذه اللفظة فيحتمل أنها مدرجة فيه منقطعة من حديث آخر وهما من أحد رواته كذا في المواهب اللدنية. وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: ثم كفله عمه أبو طالب واستمرت كفالته له فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام وقيل كانت سنة تسع سنين وفي هذه الخرجة رآه بحير الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالاً وهو من الغلط الواضح فإن بلالاً إذ ذاك لعله لم يكن موجوداً وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر، وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل: وأرسل معه عمه بلالاً ولكن قال رجلاً انتهى.
المبعث من البعث وأصله الإثارة ويطلق على التوجيه في أمر ما رسالة أو حاجة ومنه بعثت البعير إذا أثرته من مكانه وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال وبعثت النائم من نومه إذا أيقظته والمراد هنا الإرسال. وقد أطبق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حيث بعث ابن أربعين سنة 3770- حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ إسماعِيلَ حدثنَا مُحَمّدُ بنُ بشّارٍ حدثنَا ابنُ أَبِي عَدِيّ عَن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابنُ أَرْبَعِينَ فأَقَامَ بِمَكّةَ ثَلاَثَ عَشَرَة وبالْمَدِينَةِ عَشْراً وَتُوُفّيَ وَهُوَ ابنُ ثَلاَثٍ وسِتّينَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. 3771- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا ابنُ أبي عَدِيّ عَن هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قال: "قُبِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ ابنُ خَمْسٍ وَسِتّينَ سَنَةً". وَهَكَذَا حَدّثَنَا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ مِثْلَ ذَلِكَ. 3772- حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ عَن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وحدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنسٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ أَبِي عبْدِالرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بالطّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بالْقَصِيرِ المتردد، وَلاَ بالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلاَ بالاَدَمِ وَلَيْسَ بالْجَعْدِ القَطَطِ وَلاَ بالسّبِطِ، بَعَثَهُ اللّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فأَقَامَ بِمَكّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وبالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفّاهُ اللّهُ عَلَى رأْسِ سِتّينَ سَنَةً وَلَيْسَ في رأْسِهِ ولِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (حدثنا ابن أبي عدي) اسمه محمد بن إبراهيم. قوله: (أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي الوحي (وهو ابن أربعين) أي سنة وكان ابتداء وحي اليقظة في شهر رمضان (فأقام بمكة ثلاثة عشر) وفي رواية البخاري فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة. قال الحافظ: هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عماد بن أبي عماد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة (وبالمدينة عشراً) أي عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين ذكر الترمذي في هذا الباب ثلاث روايات إحداها هذه، والثانية قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين، والثالثة وتوفاه الله على رأس ستين سنة، وقد جمع النووي بين هذه الروايات المختلفة جمعاً حسناً فقال ذكر مسلم في الباب ثلاث روايات إحداها أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ستين سنة، والثانية خمس وستون، والثالثة ثلاث وستون وهي أصحها وأشهرها. رواها مسلم ههنا من رواية عائشة وأنس وابن عباس، واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون وتأولوا الباقي، فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر، ورواية الخمس متأولة أيضاً وحصل فيها اشتباه، وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله خمس وستون ونسبه إلى الغلط وأنه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح أنها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثاً وستين، وهذا الذي ذكرنا أنه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء. وحكى القاضي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة أنه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة والصواب أربعون كما سبق، وولد عام الفيل على الصحيح المشهور وقيل بعد الفيل بثلاث سنة وقيل بأربعين سنة وادعى القاضي عياض الإجماع على عام الفيل وليس كما ادعى واتفقوا أنه ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وتوفي يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، واختلفوا في يوم الولادة هل هو ثاني الشهر أم ثامنه أم عاشره أم ثاني عشر، ويوم الوفاة ثاني عشرة ضحى انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. - قوله: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة) هذه الرواية محمولة على إدخال سنة الولادة وسنة الوفاة وحسبانهما. - قوله: (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي واسم أبيه فروخ ثقة فقيه مشهور قال ابن سعد: كانوا يتقونه لموضع الرأي من الخامسة. قوله: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل البائن) أي المفرط في الطول خارجاً عن الاعتدال، والبائن اسم فاعل من بان إذا ظهر وهذا يشير إلى أنه قد كان في قده صلى الله عليه وسلم طول والأمر كذلك فإنه كان مربوعاً مائلاً إلى الطول بالنسبة إلى القصر وهو الممدوح (ولا بالأبيض الأمهق) بفتح الهمزة وسكون الميم. هو الكريه البياض كلون الجص (ولا بالاَدم) من الأدمة بالضم بمعنى السمرة أي ليس بأسمر، وهذا يعارض ما في رواية حميد عن أنس في باب الجمة واتخاذ الشعر أنه صلى الله عليه وسلم كان أسمر اللون، والجمع بينهما بأن المنفى إنما هو شدة السمرة فلا ينافي إثبات السمرة في رواية حميد عن أنس على أن لفظة أسمر اللون في الرواية المذكورة انفرد بها حميد عن أنس ورواه عنه غيره من الرواة بلفظ أزهر اللون ومن روى صفته صلى الله عليه وسلم غير أنس فقد وصفه بالبياض دون السمرة وهم خمسة عشرة صحابياً قاله الحافظ العراقي، وحاصله ترجيح رواية البياض بكثرة الرواة ومزيد الوثاقة، ولهذا قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح وهو مخالف للأحاديث كلها، وقيل المراد بالسمرة الحمرة لأن العرب قد تطلق على كل من كان كذلك أسمر، ومما يؤيد ذلك رواية البيهقي كان أبيض بياضه إلى السمرة. والحاصل أن المراد بالسمرة حمرة تخالط البياض وبالبياض المثبت في رواية معظم الصحابة ما يخالط الحمرة، وآدم بمد الهمزة وأصله أدم بهمزتين على وزن أفعل أبدلت الثانية ألفاً (وليس بالجعد القطط ولا بالبسط الجعد) بفتح فسكون والقطط بفتحتين على الأشهر وبفتح فكسر في المصباح جعد الشعر بضم العين وكسرها جعودة إذا كان فيه التواء وانقباض وفيه شعر قطط شديد الجعودة، وفي التهذيب القطط شعر الزنج، وقط الشعر يقط من باب رد وفي لغة قطط من باب تعب، والسبط بفتح فكسر أو بفتحتين أو بفتح فسكون في التهذيب سبط الشعر سبطاً من باب تعب فهو سبط إذا كان مسترسلاً، وسبط سبوطة فهو سبط كسهل سهولة فهو سهل، والمراد أن شعره صلى الله عليه وسلم ليس نهاية في الجعودة ولا في السبوطة بل كان وسطاً بينهما وخير الأمور أوساطها (فأقام بمكة عشر سنين) قال الحافظ: مقتضى هذا أنه عاش ستين سنة، وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وستين وهو موافق لحديث عائشة وبه قال الجمهور. وقال الإسماعيلي لا بد أن يكون الصحيح أحدهما وجمع غيره بإلغاء الكسر (وتوفاه الله على رأس ستين سنة) هذا محمول على إلغاء الكسر وهو ما زاد على العقد (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) أي بل دون ذلك، وقد ذكر الحافظ في الفتح ههنا روايات مختلفة في عدة شعراته صلى الله عليه وسلم البيض والجمع بينهما لا يخلو عن التكلف والأمر فيه سهل. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي.
3773- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ ومحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالاَ: أنبأنا أبُو دَاوُدَ الطّيَالِسيّ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ مُعَاذٍ الضّبّيّ، عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ بِمَكّةَ حَجَراً كانَ يُسَلّمُ عَلَيّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ إِنّي لأعْرِفُهُ الاَنَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. 3774- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ حدثنا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ عَن أَبِي الَعَلاءِ عَن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ قالَ: "كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم نتدَاوَلُ مِنْ قَصْعَةٍ مِنْ غُدْوَةٍ حَتّى اللّيْل يَقُومُ عَشَرَةٌ وَيَقْعُدُ عَشَرَةٌ. قُلْنَا فَمَا كَانَتْ تُمَدّ؟ قالَ مِنْ أَيّ شَيْءٍ تَعْجَبُ ما كَانَتْ تَمُدّ إِلاّ مِنْ هَهُنَا وأَشَارَ بِيَدِهِ إلى السّمَاءِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأبُو العَلاَءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ اللّهِ بنِ الشّخِيرِ. - قوله: (كان يسلم علي) أي يقول السلام عليك يا رسول الله كما في رواية (ليالي بعثت) ظرف لقوله يسلم ولفظ مسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الاَن". قال النووي: في الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة {وإن منها لما يهبط من خشية الله} وقوله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وفي هذه الاَية خلاف مشهور والصحيح أنه يسبح حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزاً بحسبه. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم. - قوله: (نتداول) يقال تداولته الأيدي أي تناوبته يعني أخذته هذه مرة وهذه مرة والمعنى نتناوب أخذ الطعام وأكله (من قصعة) بفتح القاف أي من صحفه كبيرة (من غدوة) بضم فسكون أي من أول النهار (تقوم عشرة) تفسير وبيان لقوله نتداول أي بعد فراغهم من الأكل منها (وتقعد عشرة) أي للتناول منها (قلنا) أي لسمرة (فما كانت تمد) بصيغة المجهول من الإمداد أي فأي شيء كانت القصعة تمد منه وتزاد فيه ومن أين يكثر الطعام فيها طول النهار، وفي هذا السؤال نوع من التعجب (قال من أي شيء تعجب) أي قال سمرة لأبي العلاء لا تعجب (ما كانت تمد إلا من ههنا الخ) يعني لا تكون كثرة الطعام فيها إلا من عالم العلاء بنزول البركة فيها من السماء. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي.
3775- حَدّثَنَا عَبّادُ بنُ يَعْقُوبَ الكُوفِيّ حدثنا الوَلِيدُ بنُ أَبِي ثَوْرٍ عَن السّدّيّ عَن عَبّادِ بنِ أَبِي يَزِيدَ عن عَلِيّ بنِ أبِي طالِبٍ قالَ: "كُنْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَكّةَ فَخَرَجْنَا في بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلاَ شَجَرٌ إلاّ وَهُوَ يَقُولُ السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وروى غَيْرُ وَاحِدٍ عن الوَلِيدِ بنِ أَبِي ثَوْرٍ وقال عَن عَبّادِ بنِ أَبِي يَزِيدَ منهم فروةُ بنُ أبي المغراءِ. - قوله: (حدثنا الوليد بن أبي ثور) هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني (عن السدي) هو إسماعيل بن عبد الرحمن (عن عباد بن أبي يزيد) ويقال عباد بن يزيد الكوفي مجهول من الثالثة. قال في تهذيب التهذيب روي عن علي وعنه إسماعيل السدي روى له الترمذي حديثاً واحد واستغربه يعني به هذا الحديث. قوله: (فخرجنا في بعض نواحيها) جمع ناحية وهي الجانب أي في بعض جوانبها. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي (وقالوا عن عباد بن أبي يزيد) أي بزيادة لفظ أبي بين عباد بن يزيد كما قال عباد بن يعقوب وإنما ذكر الترمذي هذا الكلام لأنه يقال لعباد بن أبي يزيد عباد بن يزيد أيضاً كما عرفت.
3776- حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنَا عُمَرُ بنُ يُونُسَ عَن عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ إلَى عِزْقِ جِذْعٍ وَاتّخَذُوا لَهُ مِنْبَراً فَخَطَبَ عَلَيْهِ فَحَنّ الْجِذْعُ حَنِينَ النّاقَةِ فَنَزَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَمَسّهُ فَسَكَتَ". قال أبو عيسى: وفي البابِ عن أُبَيّ وَجَابِرٍ وَابنِ عمَرَ وَسَهْلِ بنِ سَعْدٍ وابنِ عَبّاسٍ وَأُمّ سَلَمَةَ وحَدِيثُ أَنَسٍ هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. 3777- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ حدثنا مُحَمّدُ بنُ سَعِيدٍ حدثنَا شَرِيكٌ عَن سِمَاكٍ عَن أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيّ إلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: بِمَ أَعْرِفُ أنّكَ نَبِيّ؟ قالَ: إِنْ دَعَوْتُ هَذَا العِذْقَ مِنْ هذِهِ النّخْلَةَ أتَشْهَدُ أنّي رَسُولُ اللّهِ؟ فدعاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنَ النّخْلَةِ حَتّى سَقَطَ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمّ قالَ ارْجِعْ فَعَادَ فأسْلَمَ الأَعْرَابِيّ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ. - قوله: (خطب إلى لزق جذع) اللزق بكسر اللام وسكون الزاي وبالقاف قال في المجمع يقال داره لزق دار فلان أي لازقه ولاصقه انتهى، وفي مختار الصحاح يقال فلان لزقي وبلزقي ولزيقي أي بجنبي انتهى. والجذع بكسر الجيم ساق النخلة (فحن الجذع حنين الناقة) أي صات كصوت الناقة، وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. وفي حديث جابر عند البخاري: فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تأن أنين الصبي الذي يسكن. وفي رواية له فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار (فمسه فسكت) وفي حديث جابر فضمها إليه كما تقدم، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي في باب الخطبة على المنبر فالتزمه فسكن. قوله: (وفي الباب عن أبي وجابر الخ) تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة في باب الخطبة على المنبر. قوله: (حديث أنس هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو عوانة وابن خزيمة وأبو نعيم كما في الفتح. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا محمد بن سعيد) بن سليمان الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني يلقب حمدان ثقة ثبت من العاشرة (عن سِمَاك) بن حرب (عن أبي ظبيان) اسمه حصين بن جندب بن الحارث. قوله: (بم أعرف) أي من معجزاتك (إن) بكسر الهمزة (دعوت) بصيغة المتكلم (هذا العذق) بكسر العين المهملة هو العرجون بما فيه من الشماريخ وهو للنخل كالعنقود للعنب (تشهد) بصيغة المخاطب جزاء إن، والمعنى إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة وجاءني نازلاً منها فهل أنت تشهد بأني نبي. ووقع في المشكاة يشهد بصيغة الغايب قال القاري في المرقاة إن دعوت بكسر الهمزة في أكثر الأصول وفي بعضها بفتحها وهو الأظهر أي بأن دعوت هذا العذق من هذه النخلة يشهد أي حال كون العذق يشهد أني رسول الله. وقال الطيبي: إن دعوت جواب لقوله بما أعرف أي بأني إن دعوته يشهد انتهى. ومقتضاه أن يكون يشهد مجزوماً بصيغة الغايب. والمعنى تعرف بأني إن دعوته يشهد وقال شارح إن للشرط ويشهد جزاءه أو للمصدرية ويشهد جملة حالية انتهى. وظاهره أن يكون يشهد على الأول مخاطباً مجزوماً كما في نسخة يعني من المشكاة ليكون جواب الأعرابي بنعم مقدر أو النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتظر جوابه إذ ليس له جواب صواب غيره انتهى ما في المرقاة (فدعاه) أي العذق (حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي وقع على الأرض منتهياً إليه صلى الله عليه وسلم (ثم قال) أي للعذق (فعاد) أي رجع إلى ما كان عليه. قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) في سنده شريك القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظة منذ ولي القضاء بالكوفة.
3778- حَدّثَنَا محمدُ بنُ بشّار حدثنا أَبُو عَاصِمٍ حدثنا عَزْرَةُ بنُ ثَابتٍ حدثنا عِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ (اليَشْكُري) حدثنا أَبُو زَيْدِ بنِ أَخْطَبَ قالَ: "مَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَدَعَا لِي. قالَ: عَزْرَةُ إنّهُ عَاشَ مِائَةً وعِشْرِينَ سَنَةً وَلَيْسَ في رَأْسِهِ إِلاّ شَعَرَاتٌ بِيضٌ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو زَيْدٍ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ أخْطَبَ. - قوله: (حدثنا أبو عاصم) هو النبيل (أخبرنا عزرة بن ثابت) الأنصاري البصري (حدثنا علباء) بكسر المهملة وسكون اللام بعدها موحدة ومد (ابن أحمر) اليشكري بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف بصري صدوق من القراء من الرابعة (حدثنا أبو زيد بن أخطب) في التقريب عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري صحابي جليلي نزل البصرة مشهور بكنيته. قوله: (أنه) أي أبا زيد عمرو بن أخطب (عاش مائة وعشرين سنة) أي ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم (وليس في رأسه إلا شعيرات بيض) جملة حالية قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجه ودعا له بالجمال، قال أخبرني غير واحد أنه بلغ بضعاً ومائة سنة أسود الرأس واللحية إلا نبذ شعر بيض في رأسه.
3779- حَدّثَنَا إِسحاقُ بنُ موسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ قالَ: عَرَضْتُ عَلَى مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَن إِسحَاقَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ أبي طَلْحَةَ أنّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ يقُولُ: قالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمّ سُلَيْمٍ: "لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفاً أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فقالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصاً مِنْ شَعِيرٍ ثُمّ أَخْرَجَتْ خِمَاراً لَهَا فَلَفّتْ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمّ دَسّتْهُ في يَدِي وَرَدّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ فَذَهَبْتُ بِهِ إلَيْهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النّاسُ، قالَ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَكَ أَبُو طلحةَ؟ فقلتُ نعم، قال بطعامٍ؟ فقلتُ نَعَمْ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، قالَ: فانْطَلَقُوا، فانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فقالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم والنّاسِ معه وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، قالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: اللّهُ وَرُسوُلُهُ أَعْلَمُ، قالَ: فانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتّى لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتّى دَخَلاَ، فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلُمّي يَا أُمّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فَأَتَتْهُ بِذَلِك الْخُبْزِ فأمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَفتّ وعَصَرَتْ أُمّ سُلَيْمٍ بِعُكّةٍ لَهَا فَأدَمَتْهُ ثُمّ قالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمّ قالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ. فأَذِنَ لَهُمْ فأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا، ثُمّ قالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فأذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا. (ثُمّ قالَ: ائْذَنْ لِعَشْرَةٍ فأَذِنَ لَهُمْ فأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا). فأَكَلَ القَوْمُ كُلّهُمْ وَشَبِعُوا، والَقْومُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ. - قوله: (قال عرضت على مالك بن أنس) أي قرأت هذا الحديث عليه وهو يسمع (قال أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس (لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع) فيه العمل على القرائن، قال القسطلاني: وكأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بالقرينة التي كانوا فيها، وفيه رد على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع محتجاً بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني، وهو محمول على تعدد الحال فكان أحياناً يجوع ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مدداً فيصبر فيضاعف أجره، وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم عن أنس قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالساً مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم (فأخرجت أقراصاً) جمع قرص وهو خبز (خماراً) بكسر المعجمة أي نصيفاً (ثم دسته) أي أخفته وأدخلته تقول دس الشيء يدسه دساً إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة (في يدي) أي تحث إبطي (وردتني ببعضه) أي وألبستني ببعض الخمار، يقال ردي الرجل أي ألبسه الرداء (قال) أي أنس (فذهبت به) أي بالخبز (إليه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في المسجد) أي الموضع الذي هيأه للصلاة في غزوة الأحزاب (أرسلك أبو طلحة) استفهام استخباري (قوموا) قال الحافظ في الفتح ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن عنده قوموا، وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيي وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من إطعامه، ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه، وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده، وقد وجدت أن أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس: بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل له طعاماً، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة ثم أرسلتني إليه، وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فدخل أبو طلحة على أمي فقال هل من شيء فقالت نعم عندي كسر من خبز فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاء أحد معه قل عنهم، وجميع ذلك عند مسلم، وذكر الحافظ تلك الروايات (فانطلقوا) وفي رواية محمد بن كعب فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلاً (فأخبرته) أي بمجيئهم (وليس عندنا ما نطعمهم) أي قدر ما يكفيهم (قالت أم سليم ورسوله أعلم) أي بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يكن يعلم بالمصلحة لم يفعل ذلك. قال الحافظ: كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمداً ليظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام، ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها. وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنساً يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى. فقال ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك (حتى دخلا) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة على أم سليم (هلمي يا أم سليم ما عندك) أي هات ما عندك (ففت) بصيغة المجهول من الفت وهو الدق والكسر بالأصابع أي كسر الخبز، وفي بعض النسخ ففتت فالضمير للأقراص (وعصرت أم سليم بعكة) بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالباً والعسل (فأدمته) أي صيرت ما خرج من العكة إداماً للمفتوت، وفي رواية مبارك بن فضالة: فقال هل من سمن فقال أبو طلحة قد كان في العكة سمن فجاء بها فجعلا يعضرانها حتى خرج ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع، وفي رواية سعد بن سعيد: فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة، وفي رواية النضر بن أنس فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: بسم الله اللهم أعظم فيها البركة وعرف بهذا المراد بقوله وقال فيها ما شاء الله أن يقول (ثم قال ائذن) أي بالدخول (لعشرة) أي من أصحابه ليكون أوفق بهم فإن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعده عنهم، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل، وفي رواية يعقوب أدخل على ثمانية فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلاً ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا قال الحافظ وهذا يدل على تعدد القصة فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية ثمانية انتهى (فأذن) أي أبو طلحة فدخلوا (فأكلوا) أي من ذلك الخبز المأدوم بالسمن (ثم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (ائذن لعشرة) أي ثانية (والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً) وفي رواية مبارك بن فضالة حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلاً، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى فعل ذلك بثمانين رجلاً ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سوراً أي فضلاً، وزاد مسلم في رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة: وأفضل ما بلغوا جيرانهم، وفي رواية لمسلم: ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
3780- حَدّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَن إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلاَةُ العَصْرِ والْتَمَس النّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوه فَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ في ذَلِكَ الإنَاءِ وَأَمَرَ النّاسَ أَنْ يَتَوضّأُوا مِنْهُ، قالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فَتَوضّأَ النّاسُ حَتّى تَوَضّأُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ". قال أبو عيسى: وفي البابِ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وابِن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وزياد بن الحارث الصدائي. وَحَدِيثُ أنَسٍ حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. - قوله: (وحانت) أي والحال أنه قد قربت (والتمس الناس الوضوء) بفتح الواو أي طلبوا الماء للوضوء (فأتى) بصيغة المجهول (قال) أي أنس (ينبع) بتثليث الموحدة أي يفور ويخرج (حتى توضأوا من عند آخرهم) قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، قال وعند بمعنى في لأن عند وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية فكأنه قال الذين هم في آخرهم. وقال التيمي المعنى: توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الاَخر. وقال النووي: من هنا بمعنى إلى وهي لغة، وتعقبه الكرماني بأنها شاذة قال ثم إن إلى لا يجوز أن تدخل على عند ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا تدخل على عند لا يلزم مثله في من إذا وقعت بمعنى إلى، وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال عند زائدة: قوله: (وفي الباب عن عمران بن حصين وابن مسعود وجابر) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد والبخاري ومسلم، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي بعد الباب الذي يلي هذا الباب، وأما حديث جابن فأخرجه الشيخان. قوله: (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الطهارة وفي علامات النبوة ومسلم في الفضائل والنسائي في الطهارة.
3781- حَدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ أَخبرنا يونسُ بنُ بُكَيْرٍ أخبرنا مُحَمّدُ بنُ إِسْحَاقَ قال: حدثني الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ أَنهَا قَالَتْ: "أَوّلُ مَا ابْتُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النّبُوّةِ حِينَ أَرَادَ اللّهُ كَرَامَتَهُ وَرَحْمَةَ العِبَادِ بِهِ أَنْ لاَ يَرَى شَيْئاً إِلاّ جَاءَتْ مثل الصّبْحِ، فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَ وحُبّبَ إلَيْهِ الْخَلْوَةُ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْلُوَ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ. - قوله: (أول ما ابتدى به) بصيغة المجهول من الابتداء (من النبوة) وفي رواية البخاري في باب بدأ الوحي أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم (حين أراد الله كرامته) أي إكرامه. في مختار الصحاح التكريم والإكرام بمعنى والاسم منه الكرامة (أن لا يرى شيئاً) أي من الرؤيا (إلا جاءت) الضمير راجع إلى قوله شيئاً وإنما أنثه لأن المراد منه الرؤيا (كفلق الصبح) بفتح الفاء واللام أي جاءت مجيئاً مثل فلق الصبح، والمراد به ضياؤه ونوره، وعبر به لأن شمس النبوة قد كانت مبادئ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها (وحبب إليه الخلوة) لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كل من عند الله أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحي الإلهام، والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
3782- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبُو أحْمَدَ الزبَيْرِيّ حدثنا إسْرَائِيلُ عَن مَنْصُورٍ عَن إبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ قالَ: "إِنّكُمْ تَعُدّونَ الاَياتِ عَذَاباً وإنّا كُنّا نَعُدّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَرَكَةً، لَقَدْ كُنّا نَأْكُلُ الطّعَامَ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطّعَامِ. قالَ: وَأُتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بإِنَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فَجَعَل المَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: حَيّ عَلَى الْوَضُوءِ المبَارَكِ والبَرَكَةِ مِنَ السّمَاءِ. حَتّى تَوضّأَنَا كُلّنَا". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. - قوله: (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود قوله: (تعدون الاَيات) أي الأمور الخارقة للعادات أي الاَيات كلها (عذاباً) أي مطلقاً، وفي رواية البخاري: وأنتم تعدونها تخويفاً: قال الحافظ: الذي يظهر أنه أنكر عليهم عد جميع الخوارق تخويفاً وإلا فليس جميع الخوارق بركة فإن التحقيق يقتضي عد بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل، وبعضها بتخويف من الله ككسوف الشمس والقمر كما قال صلى الله عليه وسلم: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وكأن القوم الذين خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى {وما نرسل بالاَيات إلا تخويفاً} (وإنا كنا نعدها) أي الاَيات (بركة) أي من الله تعالى (ونحن نسمع تسبيح الطعام) أي في حالة الأكل (قال) أي ابن مسعود (وأتى) بضم الهمزة بالبناء المفعول (بإناء) أي فيه ماء قليل (فوضع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ينبع) بضم الموحدة وتفتح وتكسر أي يخرج مثل ما يخرج من العين (من بين أصابعه) أي من نفس لحمه الكائن بين أصابعه أو من بينهما بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه والأول أوجه قاله القسطلاني (فقال النبي صلى الله عليه وسلم حي على الوضوء المبارك) بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به أي هلموا إلى الماء مثل حي على الصلاة والمراد الفعل أي توضأوا، وفي رواية البخاري كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك (والبركة من السماء) وفي رواية البخاري: والبركة من الله، قال الحافظ البركة مبتدأ والخبر من الله وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
الوحي الإعلام في خفاء، وفي اصطلاح الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام، وقد يجيء بمعنى الأمر نحو {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} وبمعنى التسخير نحو {وأوحى ربك إلى النحل} أي سخرها لهذا الفعل وهو اتخاذها من الجبال بيوتاً إلى آخره، وقد يعبر عن ذلك بالإلهام لكن المراد به هدايتها لذلك وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل والإشارة نحو {فأوحي إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا} وقد يطلق على الموحي كالقرآن والسنة من إطلاق المصدر على المفعول قال الله تعالى {إن هو إلا وحي يوحى} قال في النهاية يقع الوحي على الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي يقال وحيت إليه الكلام وأوحيت انتهى 3783- حَدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ هُوَ ابنُ عِيسَى حدثنا مَالِكٌ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ "أَنّ الحارِثَ بنَ هِشَامٍ سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْيَاناً يَأْتِينِي في مِثْل صَلْصَلَةِ الْجرَسِ وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَيّ، وَأَحْيَاناً يَتَمَثّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقْد رَأيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقاً". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. - قوله: (أن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي من مسلمة الفتح وهو أخو أبي جهل شقيقه وكان من فضلاء الصحابة استشهد بالشام في خلافة عمر (سأل النبي صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك فيكون من مسندها وأن يكون الحارث أخبرها بذلك فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور (كيف يأتيك الوحي) يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة الوحي نفسه ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك، وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله (أحياناً) جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله والمراد به هنا مجرد الوقت أي أوقاتاً وهو نصب على الظرفية وعامله يأتيني مؤخر عنه (يأتيني مثل صلصلة الجرس) أي يأتيني الوحي إتياناً مثل صوت الجرس أو مشابهاً صوته لصوت الجرس، والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين، وقيل هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة، والجرس بفتح الجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس، قيل والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي. قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل صوت خفيف لأجنحة الملك، والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره (وهو أشده علي) أي هذا القسم من الوحي أشد أقسامه على فهم المقصود لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (يتمثل لي الملك رجلاً) التمثل مشتق من المثل أي يتصور، واللام في الملك للعهد وهو جبرئيل ورجلاً منصوب بالمصدرية أي يتمثل مثل رجل أو بالتمييز أو بالحال والتقدير هيئة رجل (فأعي ما يقول) من الوعي أي فأحفظ القول الذي يقوله (فيفصم عنه) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع وينجلي ما يغشاه، وأصل الفصم القطع ومنه قوله تعالى {لا انفصام لها} وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة فذكر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود والجامع بينهما بقاء العلقة (وإن جبينه ليتفصد) بالفاء والصاد المهملة المشددة أي ليسيل (عرقاً) بفتحتين أي من كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي إذ أنه أمر طارئ زائد على الطباع البشرية. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
أي خلقه وخلقه 3784- حَدّثَنَا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وكيعٌ حدثنا سُفْيَانُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن البَرَاءِ قالَ: "ما رَأَيْتُ مِنْ ذِي لمّةٍ في حُلّةٍ حَمْرَاءَ أحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيد ما بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَمْ يَكُنْ بالقَصِيرِ وَلاَ بالطّوِيلِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. - قوله: (عن البراء قال ما رأيت من ذي لمة الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال من أبواب اللباس
3785- حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا حمَيْدُ بنُ عبْدِ الرّحْمَنِ حدثنا زُهَيْرُ عَنْ أَبي إِسْحَاق قالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ البَرَاءَ أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْل السّيْفِ؟ قالَ لاَ مِثْل القَمَرِ". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. - قوله: (حدثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج (سأل رجل البراء) أي ابن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة استصغر يوم بدر وكان هو وابن عمر لدة مات سنة اثنتين وسبعين (أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا مثل القمر) كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول فرد عليه البراء فقال بل مثل القمر أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال بل فوق ذلك وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان. وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلاً قال له أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديراً وإنما قال مستديراً للتنبيه على أنه جمع الصفتين لأن قوله مثل السيف يحتمل أن يريد به الطول أو اللمعان فرده المسئول رداً بليغاً، ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالباً الإشراق والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما أتى بقوله وكان مستديراً إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معاً الحسن والاستدارة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
3786- حَدّثَنَا مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلُ حدثنا أبُو نُعَيْمٍ حدثنا المَسْعُودِيّ عَن عُثْمَانَ بنِ مُسْلِمِ بنِ هُرْمُزٍ عَن نَافِعِ بنِ جُبَيْرِبنِ مُطْعِمٍ عَن عَلِيّ قالَ: "لَمْ يَكُنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالطّوِيلِ وَلاَ بالْقَصِيرِ، شَثْنَ الكَفّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الرّأْسِ، ضَخْمَ الكَرَادِيسِ، طَوِيلَ المَسْرُبَةِ، إذَا مشَا تَكَفّأَ تَكَفؤاً كَأنّمَا يَنْحَط مِنْ صَبَبٍ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بْعَدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. 3787- حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا أَبِي عَن المَسْعُودِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو البخاري (أخبرنا المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي (عن عثمان بن مسلم بن هرمز) ويقال اسم أبيه عبد الله فيه لين من السادسة. قوله: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل) أي المفرط في الطول (ولا بالقصير) زاد البيهقي وهو إلى الطول أقرب، وعن عائشة لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الرابعة إذا مشي وحده، ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة. رواه ابن عساكر والبيهقي (شثن الكفين والقدمين) بفتح المعجمة وسكون المثلثة وبالنون قال في النهاية أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم ويذم في النساء انتهى. وقال في القاموس: شثنت كفه كفرح وكرم شثناً وشثونة وخشنت وغلظت فهو شثن الأصابع بالفتح، فإن قلت هذا يخالف ما رواه البخاري عن أنس قال ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، قلت قيل اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن مع القوة، ويؤيده ما رواه الطبراني والبزار من حديث معاذ رضي الله عنه: أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئاً قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم (ضخم الرأس) أي عظيمه (ضخم الكراديس) هي رؤوس العظام واحدها كردوس وقيل هي ملتقى كل عظمين ضخمين كالركبتين والمرفقين والمنكبين أراد أنه ضخم الأعضاء (طويل المسربة) بفتح الميم وسكون السين وضم الراء الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة (تكفا تكفيا) قال في النهاية أي تمايل إلى قدام، هكذا روى غير مهموز والأصل الهمز وبعضهم يرويه مهموزاً لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل كتقدم تقدماً وتكفأ تكفأ والهمزة حرف صحيح فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تحفى تحفياً وتسمى تسمياً فإذا خففت الهمزة التحقت بالمعتل وصار تكفياً بالكسر انتهى ما في النهاية (كأنما ينحط) بتشديد الطاء أي يسقط (من صبب) أي موضع منحدر من الأرض. قال في شرح السنة: الصبب الحدور وما ينحدر من الأرض يريد أنه كان يمشي مشياً قوياً ويرفع رجليه من الأرض رفعاً بائناً لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه تنعماً كذا في المرقاة (لم أر قبله) أي قبل موته لأن علياً لم يدرك زماناً قبل وجوده (ولا بعده) أي بعد موته قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي في مسند علي.
3788- حَدّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ أَبِي حَلِيمَة- مِنْ قصرِ الأحْنَفِ- و أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ وَ عَلِيّ بنُ حُجْآ قالُوا حدثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ أخبرنا عُمَرُ بّ عَبْدِ اللّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ حدثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيّ بنِ أبِي طَالِبٍ قالَ: "كَانَ عَلِيّ رضي الله عنه إِذَا وَصَفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَمْ يَكن بالطّوِيلِ المُمغطِ، وَلاَ بالقصِيرِ المُتَرَدّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بالْجَعْدِ القَططِ وَلاَ بالسّبَطِ كانَ جَعْداً رَجِلاً، وَلَمْ يَكُنْ بالْمُطَهّمِ وَلاَ بالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ في الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ، أهْدَبَ الأَشْفَارِ، جَلِيلَ المُشَاشِ وَالكَتَدِ، أجْرَدَ ذُو مَسْرُبَةٍ، شثْنَ الكَفّيْنِ والقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلّعَ كَأَنّمَا يَمْشِي في صَبَبٍ، وإذَا التفَتَ الْتَفَتَ مَعاً، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النّبِيّينَ، أَجْوَدَ النّاسِ كفاً وأشرحهم صَدْراً، وأَصْدَقَ النّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أحَبّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم". قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حسن غريب لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتّصِلٍ. قالَ أَبوُ جَعْفَرِ سَمِعْتُ الأَصْمَعِيّ يَقُولُ في تَفْسِيرِهِ صِفَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ المُمغطُ الذّاهِبُ طُولاً. قالَ: وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيّا يَقُولُ في كلامه: تَمَغّطَ في نُشّابَةِ أيْ مَدّهَا مَدّا شَدِيداً. وَأَمّا المُتَرَدّدُ فالدّاخِلُ بَعْضُهُ في بَعْضٍ قِصَراً، وَأَمّا القَطط فالشّدِيدُ الجُعُودَةِ. وَالرّجِلُ الّذِي في شَعْرِهِ حُجُونَةٌ قَليلاً (أي ينحني). وَأَمّا المُطَهّمُ فالبَادِنُ الكَثِيرُ اللّحْمِ. وَأَمّا المُكَلْثَمُ فالمدَوّرُ الْوَجْهِ. وَأَمّا المُشْرَبُ فَهُو الّذِي في بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ وَالأَدْعَجُ الشّدِيدُ سَوَادِ العَيْنِ. وَالأَهْدَبُ الطّوِيلُ الأَشْفَارِ وَالكَتَدُ مُجْتَمَعُ الكَتِفَيْنِ وَهُوَ الكَاهِلُ. وَالمَسْرَبَةُ هُوَ الشّعْرُ الدّقِيقُ الّذِي هُوَ كَأَنّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصدْرِ إِلَى السّرّةِ. والشّثْنُ الغَلِيظُ الأصَابِعِ مِنَ الكَفّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ. وَالتّقَلّعُ أنْ يَمْشِيَ بِقُوّةٍ. والصّبَبُ الحدُروُ نَقُولُ انْحَدَرْنَا مِنْ صَبُوبٍ وَصَبَبٍ. وَقَوْلُهُ جَلِيل المُشَاشِ يُرِيدُ رُؤوس المَنَاكِبِ. والعِشْرَةُ الصّحْبَةُ. وَالعَشِيرُ الصّاحِبُ. وَالبَدِيهَةُ المُفَاجَأَةُ يَقالُ بَدَهْتُهُ بِأَمْرٍ أَيْ فَجِأته. - قوله: (حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي حليمة) القصري مقبول من الحادية عشرة (أخبرنا عمر بن عبد الله مولى غفرة) بضم المعجمة وسكون الفاء (حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب) قال في التقريب: إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي صدوق من الخامسة وأبوه محمد هو المعروف بابن الحنفية. قوله: (إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم) أي ذكر صفته من جهة خلقه (قال ليس بالطويل الممغط) بصيغة اسم الفاعل من الانمغاط. قال في النهاية هو بتشديد الميم الثانية المتناهي في الطول من أمغط النهار إذا امتد ومغطت الحبل وغيره إذا مددته وأصله منمغط والنون للمطاوعة فقلبت ميماً وأدغمت في الميم ويقال بالعين المهملة بمعناه (ولا بالقصير المتردد) أي المتناهي في القصر كأنه تردد بعض خلقه على بعض وانضم بعضه على بعض وتداخلت أجزاؤه (وكان ربعة) بفتح أوله وسكون ثانيه وقد يحرك أي متوسطاً (من القوم) أي مما بين أفرادهم فهو في المعنى تأكيد لما قبله ومن وصفه بالربعة أراد التقريب لا التحديد فلا ينافي أنه كان يضرب إلى الطول كما في خبر ابن أبي حالة كان أطول من المربوع وأقصر من المشذب (ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط) تقدم شرحه قريباً (كان جعدا رجلاً) بكسر الجيم ويفتح ويسكن أي لم يكن شعره شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما (ولم يكن بالمطهم) بتشديد الهاء المفتوحة أي المنتفخ الوجه وقيل الفاحش السمن وقيل النحيف الجسم وهو من الأضداد كذا في النهاية (ولا بالمكلثم) اسم مفعول من الكلثمة وهو اجتماع لحم الوجه بلا جهومة كذا في القاموس وقال في النهاية هو من الوجوه القصير الحنك الدني الجبهة المستدير مع خفة اللحم أراد أنه كان أسيل الوجه ولم يكن مستديراً انتهى. وقال الطيبي أي لم يكن مستديراً كاملاً بل كان فيه تدوير ما (وكان في الوجه تدوير) أي نوع تدوير أو تدوير ما والمعنى أنه كان بين الإسالة والاستدارة (أبيض) أي هو أبيض اللون (مشرب) اسم مفعول من الإشراب أي مخلوط بحمرة قال في النهاية الإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى اللون الاَخر يقال بياض مشرب حمرة بالتخفيف وإذا شدد كان للتكثير والمبالغة وهذا لا ينافي ما في بعض الروايات وليس بالأبيض لأن البياض المثبت ما خالطه حمرة والمنفي ما لا يخالطها وهو الذي تكرهه العرب (أدعج العينين) الدعج والدعجة السوداء في العين وغيرها يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها كذا في النهاية (أهدب الأشفار) بفتح الهمز جمع الشفر بالضم وهو الجفن أي طويل شعر الأجفان ففيه حذف مضاف لأن الأشفار هي الأجفان التي تنبت عليها الأهداب ويحتمل أنه سمي النابت باسم المنبت للملابسة (جليل المشاش) بضم الميم وخفة الشين في القاموس المشاشة بالضم رأس العظم الممكن المضغ جمعها مشاش انتهى، وفي النهاية أي عظيم رؤوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين (والكتد) بفتح التاء وكسرها مجتمع الكتفين وهو الكاهل وهو معطوف على المشاش (أجرد) هو الذي ليس على بدنه شعر ولم يكن كذلك وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين فإن ضد الأجرد الأشعر وهو الذي على جميع بدنه شعر (إذا مشى تقلع) أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً قوياً وهي مشية أهل الجلادة والهمة لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه فإن ذلك من مشي النساء ويوصفن به (وإذا التفت) أي أراد الالتفات إلى أحد جانبيه (التفت معاً) أي بكليته، أراد أنه لا يسارق النظر وقيل أراد لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة إذا نظر إلى الشيء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعاً أو يدبر جميعاً قاله الجزري. وقال التوربشتي يريد أنه كان إذا توجه إلى الشيء توجه بكليته ولا يخالف ببعض جسده بعضاً كيلا يخالف بدنه قلبه وقصده مقصده لما في ذلك من التلون وآثار الخفة (بين كتفيه خاتم النبوة) سيأتي إيضاح الكلام عليه في باب خاتم النبوة (أجود الناس صدراً) إما من الجودة بفتح الجيم بمعنى السعة والانفساح أي أوسعهم قلباً فلا يمل ولا ينزجر من أذى الأمة ومن جفاء الأعراب، وإما من الجود بالضم بمعنى الإعطاء ضد البخل أي لا يبخل على أحد شيئاً من زخارف الدنيا ولا من العلوم والحقائق والمعارف التي في صدره، فالمعنى أنه أسخى الناس قلباً (وأصدق الناس لهجة) بفتح اللام وسكون الهاء ويفتح أي لساناً وقولاً (وألينهم عريكة) العريكة الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلساً مطواعاً منقاداً قليل الخلاف والنفور (وأكرمهم عشرة) بكسر فسكون أي معاشرة ومصاحبة (من رآه بديهة) أي أول مرة أو فجاءة وبغتة (هابه) أي خافه وقاراً وهيبة من هاب الشيء إذا خافه ووقره وعظمه (ومن خالطه معرفة أحبه) أي بحسن خلقه وشمائله، والمعنى أن من لقيه قبل الاختلاط به والمعرفة إليه هابه لوقاره وسكونه فإذا جالسه وخالطه بان له حسن خلقه فأحبه حباً بليغاً (يقول ناعته) أي واصفه عند العجز عن وصفه (مثله) أي من يساويه صورة وسيرة وخلقاً وخلقاً. قوله: (ليس إسناده بمتصل) لأن إبراهيم بن محمد لم يسمع من جده على (سمعت الأصمعي) هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي البصري صدوق سني من التاسعة. قال الحربي كان أهل العربية من أهل البصرة من أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي. وقال المبرد كان الأصمعي بحراً في اللغة وكان دون أبي زيد في النحو قاله الحافظ (يقول في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم) أي في تفسير بعض اللغات الواقعة في الأخبار الواردة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لا في خصوص هذا الخبر أخذاً من قول المصنف في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يقول في تفسير هذا الحديث (الممغط الذاهب طولاً) أي الذاهب طوله فطولاً تمييز محول عن الفاعل وأصل الممغط من مغطت الحبل فانمغط أي مددته فامتد (قال) أي الأصمعي (وسمعت أعرابياً) هذا استدلال على ما قبله (يقول في كلامه) أي في أثنائه (تمغط في نشابته أي مدها الخ) النشابة بضم النون وتشديد الشين المعجمة وموحدة وبتاء التأنيث ودونها السهم وإضافة المد إليها مجاز لأنها لا تمد وإنما يمد وتر القوس، واعترض على المصنف بأنه ليس في الحديث لفظ التمغط حتى يتعرض له هنا وإنما فيه لفظ الانمغاط وأجيب بأنه من توضيح الشيء بتوضيح نظيره (وأما المتردد فالداخل بعضه في بعض قصراً) بكسر ففتح (والرجل الذي في شعره حجونة) بمهملة فجيم في القاموس حجن العود يحجنه عطفه فالحجونة الانعطاف (أي ينحني قليلاً) هذا تفسير لكلام الأصمعي من أبي عيسى أو أبي جعفر (وهو الكاهل) بكسر الهاء وهو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى مما يلي الظهر وفيه ست فقرات (والصبب الحدور) بفتح الحاء المهملة وهو المكان المنحدر لا بضمها لأنه مصدر (انحدرنا من صبوب وصبب) بفتح الصاد فيهما وكل منهما بمعنى المكان المنحدر، وأما الصبوب بضم الصاد فهو مصدر كالحدور بضم الحاء المهملة وقد يستعمل جمع صبب أيضاً فتصح إرادته هنا لأنه يقال انحدرنا في صبوب بالضم أي في أمكنة منحدرة (جليل المشاش يريد رؤوس المناكب) أي ونحوهما كالمرفقين والركبتين إذ المشاش رؤوس العظام أو العظام اللينة فتفسيرها برؤوس المناكب فيه قصور.
|