الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (183- 185): {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}قوله عز وجل: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا} قال الكلبي نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن صيفي ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً وأنزل عليك كتاباً وإن الله عهد في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى: {الذين قالوا} يعني قد سمع الله قول الذين {إن الله عهد إلينا} يعني أمرنا وأوصاناً في كتبه {أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار} يعني فيكون ذلك دليلاً على صدقه. وذكر الواحدي عن السدي أنه قال إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار. حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان. زاد غير الواحدي عنه قال: وكانت هذه العادة باقية فيهم إلى مبعث المسيح عليه السلام ثم ارتفعت وزالت وقيل إن ادعاء هذا الشرط كذب على التوراة وهو من كذب اليهود وتحريفهم ويدل على ذلك أن المقصود في الدلالة على صدق النبي هو ظهور المعجزة الخارقة للعادة فأي معجزة أتى بها النبي قبلت منه وكانت دليلاً على صدقه. وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه فوجب على كافة الخلق اتباعه وتصديقه والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل من أعمال البر من نسك وصدقة وذبح وكل عمل صالح، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة والصلاة قربان يعني انها مما يتقرب بها إلى الله عز وجل. وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل وكانوا إذا قربوا قرباناً أو غنموا غنيمة جمعوا ذلك وجاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي حفيف فتأكل ذلك القربان أو الغنيمة وتحرقه فيكون ذلك دليلاً وعلامه على القبول وإذا لم يقبل بقي على حاله ولم تنزل نار. وقال عطاء كانت بنو إسرائيل يذبحون لله فيأخذون الثروب وأطايب اللحم فيضعونها في وسط بيت والسقف مكشوف فيقوم نبيهم عليه السلام في البيت ويناجي ربه عز وجل وبنو إسرائيل خارجون حول البيت فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف ولا دخان لها فتأكل ذلك القربان ثم قال الله عز وجل مجيباً عن هذه الشبهة التي ذكرها هؤلاء اليهود وإقامة للحجة عليهم {قل} يعني قل يا محمد لهؤلاء اليهود {قد جاءكم} يا معشر اليهود {رسل من قبلي} يعني مثل زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام {بالبينات} يعني بالدلات الواضحات الدالة على صدقهم {وبالذي قلتم} يعني ما طلبوا من القربان {فلم قتلتموهم} عني فلم قتلتم الأنبياء الذين أوتوا بنا طلبتمم منهم مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء وأراد بذلك فعل أسلافهم وإنما خاطب بذلك اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا راضين بفعل أسلافهم {إن كنتم صادقين} يعني في دعواكم ومعناه تكذيبهم إياك يا محمد مع علمهم بصدقك كقتل آبائهم الأنبياء مع إتيانهم بالقربان ثم قال تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم {فإن كذبوك} يعني هؤلاء اليهود {فقد كذب رسل من قبلك} يعني مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الرسل {جاؤو بالبينات} يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات {والزبر} أي الكتب واحدها زبور وكل كتاب فيه حكمة فهو زبور وأصله من الزبر وهو الزجر وسمي الكتاب الذي فيه الحكمة زبوراً لأنه يزبر عن الباطل ويدعو إلى الحق {والكتاب المنير} أي الواضح المضيء وإنما عطف الكتاب المنير على الزبر لشرفه وفضله وقيل أراد بالزبر الصحف وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل.قوله عز وجل: {كل نفس ذائقة الموت} يعني أن كل نفس مخلوقة ذائقة الموت ولابد لها منه. قيل لما نزل {قل يتوفاكم ملك الموت} يا رسول الله إنما نزلت في بني آدم فأين ذكر الموت للجن والأنعام والوحوش والطير؟ فنزلت هذه الآية وقيل لما خلق الله آدم عليه السلام اشتكت الأرض إلى ربها عز وجل مما أخذ منها فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها فما أحد يموت إلاّ ويدفن في التربة التي خلق منها. فإن قلت الحور والولدان نفوس مخلوقة في الجنة لا تذوق الموت فما حكم لفظ كل في قوله كل نفس ذائقة الموت؟ قلت لفظة كل لا تقتضي الشمول والإحاطة بدليل قوله تعالى وأوتيت من كل شي ولم تؤت ملك سليمان فتكون الآية من العام المخصوص ويحتمل أن يكون المراد بهم المكلفين بدليل سياق الآية وهو قوله تعالى: {وإنما توفون أجوركم} يعني توفون جزاء أعمالكم {يوم القيامة} إن خيراً فخير وإن كان شراً فشر {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} يعني فمن نجا وأبعد من النار وأدخل الجنة فقد ظفر بالنجاة ونجا من الخوف {وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور} يعني أن العيش في هذه الدار الفانية يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء وسينقطع عن قريب فوصفت بأنها متاع الغرور لأنها تغر ببذل المحبوب. وتخيل للإنسان أنه يدوم وليس بدائم والمتاع كل ما استمتع به الإنسان من مال وغيره وقيل المتاع كالفارس والقدر والقصعة ونحوها والغرور ما يغر الإنسان مما لا يدوم وقيل الغرور الباطل.ومعنى الآية أن منفعة الإنسان بالدنيا كمنفعته بهذه الأشياء التي يستمتع بها ثم تزول عن قريب. وقيل متاع متروك يوشك أن يضمحل ويزول فخذوا من هذا المتاع واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم. قال سعيد بن جبير هي متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة فأما من اشتغل بطلب الآخرة فهي له متاع وبلاغ إلى ما هو منها.(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: «أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» واقرؤوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. زاد الترمذي: «وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» واقرؤوا إن شئتم: «وظل ممدود ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها» واقرؤوا إن شئتم: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور}..تفسير الآية رقم (186): {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}قوله عز وجل: {لتبلون} اللام لام القسم تقديره والله لتبلون أي لتختبرن فتوقع عليكم المحن ليعلم المؤمن من غيره والاختبار طلب المعرفة ليعرف الجيد من الرديء وذلك في وصف الله محال لأن الله تعالى عالم بحقائق الأشياء كلها قبل أن يخلقها فعلى هذا يكون معنى الاختبار في وصف الله تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر {في أموالكم} يعني بالابتلاء في الأموال بالنقصان منها وقيل بأداء ما فرض فيها من الحقوق {وأنفسكم} يعني بالمصائب والأمراض والقتل وفقد الأقارب والعشائر خوطب بهذه الآية المسلمون ليوطنوا أنفسهم على احتمال الأذى وما سيلقون من الشدائد والمصائب ليصبروا على ذلك حتى إذ لقوها لقوها وهم مستعدون بالصبر لها لا يرهقهم ما يرهق غيرهم ممن تصيبه الشدة بغتة فينكرها ويشمئز منها {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً} قال عكرمة نزلت في أبي بكر الصديق وفنحاص بن عازوراء وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص سيد بني قينقاع يستمده وكتب إليه معه كتاباً وقال لأبي بكر: لا تفتأتن علي بشيء حتى ترجع فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف إلى فنحاص وأعطاه الكتاب فلما قرأه قال فنحاص قد احتاج ربك حتى نمده فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تفتأتن علي بشيء حتى ترجع فنزلت الآية وقال الزهري نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وكعب بن الأشرف اليهودي وذلك أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسب المسلمين ويحرض المشركين على قتالهم في شعره.(ق) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله قال نعم قال ائذن لي فالأقل قال فأتاه فقال له وذكر ما بينهم وقال إن هذا الرجل قد أراد الصدقة وقد عنانا فلما سمعه قال وأيضاً والله لتملنه قال إنا قد ابتعناه ونكره الآن أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال: وقد أردت أن تسلفني سلفاً قال فما ترهنني أترهنني نساءكم؟ قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا قال له ترهنون أولادكم قال يسب ابن أحدكم فيقال رهن في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللأمة يعني السلاح قال: نعم. وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عيسى بن جبر وعباد بن بشر قال فجاؤا فدعوه ليلاً إليهم قالت امرأته إني لأسمع صوتاً كأنه صوت دم قال إنما هو محمد ورضيعي أبو نائلة أن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلاً لأجاب قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل وهو متوشح فقالوا: نجد منك ريح الطيب قال: نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب قال فتأذن لي أن أشم منه قال نعم فتناول فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعوذ فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم فقتلوه» زاد في رواية: ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه وزاد أصحاب السير والمغازي فاختلف عليهم أسيافهم فلم تغن شيئاً قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولاً في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا إلاّ وأوقدت عليه نار قال فوضعته في ثندوته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا فخرجنا وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث ونزفه الدم فوقفنا له ساعة حتى أتانا يتبع آثارنا فحملناه وجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج علينا فأخبرناه بقتل كعب بن الأشرف وجئنا برأسه إليه وتفل على جرح صاحبنا فرجعنا إلى أهلنا وأصبحنا وقد خافت اليهود وقعتنا بعدو الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه وأنزل الله عز وجل في شأن الأشرف اليهودي {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني اليهود والنصارى {ومن الذين أشركوا} يعني مشركي العرب {أذى كثيراً} يعني بالأذى قول اليهود إن الله فقير ونحن أغنياء وما أشبه ذلك من افترائهم وكذبهم على الله ورسوله وما كان كعب بن الأشرف يهجو به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين فهذا هو الأذى الكثير {وإن تصبروا وتتقوا} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين يعني وإن تصبروا على أذاهم وتتقوا فيما أمركم به ونهاكم عنه لأن الصبر عبارة عن احتمال الأذى والمكروه والتقوى عبارة عن الاحتراز عما لا ينبغي {فإن ذلك من عزم الأمور} أي من صواب التدبير الذي لا شك أن الرشد فيه ولا ينبغي لعاقل تركه وأصله من قولك عزمت عليك أن تفعل كذا أي ألزمتك أن تفعله لا محالة ولا تتركه وقيل معناه فإن ذلك مما قد عزم عليكم فعله أي ألزمتم الأخذ به..تفسير الآيات (187- 188): {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}قوله تعالى: {وإذ أخذ الله} أي واذكر يا محمد وقت إذ أخذ الله {ميثاق الذين أوتوا الكتاب} يعني اليهود والنصارى، والمراد منهم العلماء خاصة وقيل المراد بالذين أوتوا العلماء والأحبار من اليهود خاصة وأخذ الميثاق هو التوكيد والإلزام لبيان ما أوتوه من الكتاب وهو قوله تعالى: {لتبيننه للناس} يعني لتبينن ما في الكتاب ولتظهرنه للناس حتى يعلموه وذلك أن الله أوجب على علماء التوراة والإنجيل أن يشرحوا للناس ما في هذين الكتابين من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم {ولا تكتمونه} يعني ولا يخفون ذلك عن الناس {فنبذوه} يعني الكتاب وقيل الميثاق {وراء ظهورهم} أي فطرحوه وضيعوه وتركوا العمل به {واشتروا به ثمناً قليلاً} يعني المآكل والرشا التي كانوا يأخذونها من عوامهم وسفلتهم {فبئس ما يشترون} ذمهم الله تعالى على فعلهم ذلك. واعلم أن ظاهر هذه الآية وإن كان مخصوصاً بعلماء أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فلا يبعد أن يدخل فيه علماء أن ظاهر هذه الأمة الإسلامية لأنهم أهل كتاب وهو القرآن وهو أشرف الكتب. قال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله تعالى على أهل العلم فمن علم شيئاً فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة وقال أيضاً مثل علم لا يقال له كمثل كنز لا ينفق منه ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم لا يأكل ولا يشرب وقال أيضاً طوبي لعالم ناطق ومستمع واعٍ هذا علم علماً فبذله وهذا سمع خيراً فقبله ووعاه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سئل علماً يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار» أخرجه الترمذي ولأبي داود «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» وقال أبو هريرة لولا ما أخذ الله عز وجل على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ثم تلا هذه الاية {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} الآية وقال الحسن بن عمارة أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت أريد أن تحدثني، فقال: أما علمت أني قد تركت الحديث فقلت: إما أن تحدثني وإما أن أحدثك قال: حدثني فقلت: حدثني الحكم بن عيينة عن يحيى بن الخزار قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا قال: فحدثني أربعين حديثاً.قوله عز وجل: {لا تحسبن الذين يفرحون} قرئ بالتاء على الخطاب أي لا تحسبن يا محمد الفارحين الذين يفرحون، وقرئ بالياء على الغيبة يعني ولا يحسبن الفارحون والمعنى لا يحسبن الذين يفرحون فرحهم منجياً لهم من العذاب نزلت هذه الآية في المنافقين.(ق) عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا له وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا {لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا} الآية وقيل نزلت في اليهود.(ق) عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ مما فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذبن أجمعون.قال ابن عباس: مالكم. ولهذه الآية إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} الآية وتلا ابن عباس: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} وقال ابن عباس سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا إليه بذلك وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه {بما أتوا} يعني يفرحون بما فعلوا {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} أي ويحبون أن يحمدهم الناس على شيء لي يفعلوه قيل عنى بذلك قوماً من أحبار اليود كانوا يفرحون بأضلالهم الناس ونسبة الناس إياهم إلى العلم قال ابن عباس: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب إلى قوله ولهم عذاب أليم} يعني فنحاص وأسبيع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أي بقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم. وقيل هم فرحوا باحتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم. وذلك أنهم كتبوا إلى يهود العراق والشام واليمن ومن يبلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها أن محمداً ليس ببني فاثبتوا على دينكم فاجتمعت كلمتهم على الكفر ففرحوا بذلك، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة وأحبوا أن يحمدوا على ذلك. وقيل فرحوا بما أوتوا من تبديلهم التوراة وأحبوا أن يحمدهم الناس على ذلك. وقيل أن يهود خيبر أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نحن نعرفك ونصدقك وقالوا لأصحابه نحن على رأيكم نحن لكم ردء وليس ذلك في قلوبهم وأحبوا أن يحمدهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ذلك {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي فلا تظنهم بمنجاة من العذاب الذي أعده الله لهم في الدنيا من القتل والأسر وضرب الجزية والذلة والصغار {ولهم عذاب أليم} يعني في الآخرة وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في اليهود أو المنافقين خاصة فإن حكمها عام في كل من أحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والصلاح أو ينسب إلى العلم وليس هو كذلك.
|