الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نواسخ القرآن
نواسخ القرآن
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: هـ). .مقدّمة المؤلِّف: حدثنا الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام وحبر الأمة قدوة الأئمة سيد العلماء، جمال الدين أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي قدس الله روحه، ونور ضريحه. قال: الحمد لله على التوفيق، والشكر لله على التحقيق، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة سالك من الدليل أوضح طريق، ومنزه له عما لا يجوز ولا يليق. وصلى الله على أشرف فصيح، وأطرف منطيق، محمّد أرفق نبي بأمته وألطف شفيق، وعلى أصحابه، وأزواجه وأتباعه إلى يوم الجمع والتفريق، وسلم تسليمًا كثيراً. أما بعد: فإن نفع العلم بدرايته لا بوراثته وبمعرفة أغواره لا بروايته وأصل الفساد الداخل على عموم العلماء تقليد سابقيهم، وتسليم الأمر إلى معظميهم، من غير بحث عما صنفوه ولا طلب للدليل عما ألفوه. وإني رأيت كثيراً من المتقدمين على كتاب الله عز وجل بآرائهم الفاسدة، وقد دسوا في تصانيفهم للتفسير أحاديث باطلة وتبعهم على ذلك مقلدوهم، فشاع ذلك وانتشر، فرأيت العناية بتهذيب علم التفسير عن الأغاليط من اللازم. وقد ألفت كتاباً كبيراً سميته بـ: (المغني في التفسير) يكفي عن جنسه، وألفت كتاباً متوسط الحجم مقنعاً في ذلك العلم سميته (زاد المسير) وجمعت كتاباً دونه سميته بـ: (تيسير التبيان في علم القرآن) واخترت فيه الأصوب من الأقوال ليصلح للحفظ، واختصرته بتذكرة الأريب في تفسير الغريب، وأرجو أن تغني هذه المجموعات عن كتب التفسير مع كونها مهذبة عن خللها سليمة من زللها. .فصل: ومن نظر في كتاب الناسخ والمنسوخ للسدي رأى من التخلط العجائب، ومن قرأ في كتاب هبة الله المفسر رأى العظائم. وقد تداوله الناس لاختصاره، ولم يفهموا دقائق أسراره فرأيت كشف هذه الغمة عن الأمة ببيان إيضاح الصحيح، وهتك ستر القبيح، متعيناً على من أنعم الله عليه بالرسوخ في العلم وأطلعه على أسرار النقل، واستلب زمامه من أيدي التقليد فسلمه إلى يد الدليل فلا يهوله قول معظم، فكيف بكلام جاهل مبرسم. .فصل: نسخها {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} وقوله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} نسخها {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا } وقوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} نسخها {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} في نظائر كثيرة لهذه الآيات. لا أدري أي الأخلاط الغالبة حملته على هذا التخليط. فلما كان مثل هذا ظاهر الفساد، وريت عنه غيرةً على الزمان أن يضيع، وإن كنت قد ذكرت مما يقاربه طرفاً، لأنبه بمذكوره على مغفله. .فصل: . الباب الأول: بَابُ بَيَانِ جَوَازِ النَّسْخِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَدَاءِ: فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: قَالُوا: لا يَجُوزُ عَقْلا وَلا شَرْعًا، وَزَعَمُوا أَنَّ النسخ هو عين البداء. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: قَالُوا: يَجُوزُ عَقْلا وَإِنَّمَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ زعموا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ إِنَّ شَرِيعَتَهُ لا تُنْسَخُ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ قَالَ: لا يَجُوزُ النَّسْخُ إِلا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ عِبَادَةٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا بِمَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَى سَبِيلِ الْعُقُوبَةِ لا غَيْرَ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: قَالُوا: يَجُوزُ شَرْعًا لا عَقْلا، وَاخْتَلَفَ هَؤُلاءِ فِي عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لم يكونا نبيين لأنهما لَمْ يَأْتِيَا بِمُعْجِزَةٍ، وَإِنَّمَا أَتَيَا بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الشَّعْوَذَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَا نَبِيَّيْنِ صَادِقَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا لَمْ يُبْعَثَا بِنَسْخِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَلا بُعِثَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا بُعِثَا إلى العرب والأميين. .فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ لِلْعِبَادِ فِي فِعْلِ عِبَادَةِ زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ جَازَ فِي الْعَقْلِ تَكْلِيفُ عِبَادَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ كَصَوْمِ يَوْمٍ، وَهَذَا تَكْلِيفٌ انْقَضَى بِانْقِضَاءِ زَمَانٍ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْقِلُ مِنَ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى وَمِنَ الصِّحَّةِ إِلَى السُّقْمِ ثُمَّ قَدْ رَتَّبَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصَالِحِ وله الحكم. .فَصْلٌ: .فَصْلٌ: .فَصْلٌ: وَكَانَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ عَمَلا بِمَا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَوِ احْتَجُّوا لَشَاعَ نَقْلُ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ ابْتُدِعَ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. .فَصْلٌ: .فَصْلٌ: أحدهما: أَنَّ النَّسْخَ تَغْيِيرُ عِبَادَةٍ أَمَرَ بِهَا الْمُكَلِّفُ، وَقَدْ عَلِمَ الْآمِرُ حِينَ الأَمْرِ أَنَّ لِتَكْلِيفِ الْمُكَلَّفِ بِهَا غَايَةً يَنْتَهِي الإِيجاب إِلَيْهَا ُمَّ يَرْتَفِعُ بِنَسْخِهَا. وَالْبَدَاءُ أَنْ ينتقل الأمر عن ما أمر بِهِ وَأَرَادَهُ دَائِمًا بِأَمْرِ حَادِثٍ لا بِعِلْمٍ سَابِقٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ سَبَبَ النَّسْخِ لا يُوجِبُ إِفْسَادَ الْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الْخِطَابِ الأَوَّلِ، وَالْبَدَاءُ يَكُونُ سَبَبُهُ دَالًّا عَلَى إِفْسَادِ الْمُوجِبِ، لِصِحَّةِ الأَمْرِ الأَوَّلِ، مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ يَقْصِدُ بِهِ مطلوباً فيتبين أن الْمَطْلُوبَ لا يَحْصُلُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَيَبْدُوَ لَهُ مَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَكِلا الأَمْرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى قصور في العلم والحق عز وجل منزه عن ذلك. .الْبَابُ الثَّانِي: بَابُ إِثْبَاتِ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا: وَأَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ، قال: بنا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَشْهَلِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قال: فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَالَ ابْنُ أبي داود: وحد ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وَيَقُولُ: يُبَدِّلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْآنِ فَيْنَسَخُهُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلا يُبَدِّلُهُ، وَمَا يُبَدِّلُ وَمَا يُثْبِتُ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي كتاب. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قوله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قَالَ: يَنْسَخُ الْآيَةَ بِالْآيَةِ فَتُرْفَعُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، أَصْلُ الْكِتَابِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مُوسَى بْنِ عبيدة عن محمّد ابن كعب في قوله عز وجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا أبي، قالت: بنا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سيرين {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} يرفعه، ويثبت مَا يَشَاءُ فَيَدَعُهُ مُقِرًّا لَهُ قال: وحدثنا موسى بن هرون، قال حدثنا الحسين قال: بنا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ النَّاسِخُ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ معمر: قال: بنا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي ابن عَفَّانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ الْفُرَاتِ عن أسباط عن السدي {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} مَا يَشَاءُ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَيُثْبِتُ مِنَ النَّاسِخِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا... {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} قَالَ:... لَمْ تُنْسَخْ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الضحاك، قال: المحكمات الناسخ. أخبرنا إسماعيل ابن أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رضي الله عنه قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنِ الصَّحَابَةِ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ مَا قَدْ نُسِخَ، وَالْمُحْكَمَاتُ مَا لَمْ يُنْسَخْ. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عَنْهُ: أُبَيٌّ أَعْلَمُنَا بِالْمَنْسُوخ. . الْبَابُ الثَّالِثُ: بَابُ بَيَانِ حَقِيقَةِ النَّسْخِ: أحدهما: الرَّفْعُ وَالْإِزَالَةُ، يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ إِذَا رَفَعَتْ ظِلَّ الْغَدَاةِ بِطُلُوعِهَا وَخَلَفَهُ ضَوْؤُهَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}. وَالثَّانِي: تَصْوِيرٌ مِثْلَ الْمَكْتُوبِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، يَقُولُونَ نَسَخْتُ الْكِتَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. وَإِذَا أُطْلِقَ النَّسْخُ فِي الشَّرِيعَةِ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الأَوَّلُ، لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحُكْمَ الَّذِي ثَبَتَ تَكْلِيفُهُ لِلْعِبَادِ إِمَّا بِإِسْقَاطِهِ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ أَوْ إِلَى بَدَلٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْخِطَابُ فِي التَّكْلِيفِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَمَرٌ، وَنَهْيٌ، فَالأَمْرُ اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ، وَالنَّهْيُ اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ، وَاسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ يقع على ثلاثة أضرب: أحدهما: مَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَالِانْحِتَامِ إِمَّا بِكَوْنِهِ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا وَنَسْخُ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى ثلاثة أوجه: أحدها: أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الْمَنْعِ، مِثْلَ مَا كَانَ التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ مِثْلَ نَسْخِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ إِلَى أَنْ جُعِلَ مُسْتَحَبًّا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الْإِبَاحَةِ مِثْلَ نَسْخِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ إِلَى الْجَوَازِ فَصَارَ الْوُضُوءُ مِنْهُ جَائِزًا. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: اسْتِدْعَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَهَذَا يَنْتَقِلُ إِلَى ثَلاثَةِ أوجه أيضاً: أحدها: أَنْ يَنْتَقِلَ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ إِلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ مِثْلَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ كَانَ مُسْتَحَبًّا فَإِنْ تَرَكَهُ وَافْتَدَى جَازَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِانْحِتَامِهِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ إِلَى التَّحْرِيمِ، مِثْلَ نَسْخِ اللُّطْفِ بِالْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِ الْحُسْنَى لَهُمْ فَإِنَّهُ نُسِخَ بِالأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنْسَخَ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ إِلَى الْإِبَاحَةِ، مِثْلَ نَسْخِ اسْتِحْبَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ. وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: الْمُبَاحُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهُ النَّسْخُ عَنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّسْخُ إِلَى التَّحْرِيمِ. مِثَالُهُ: أَنَّ الْخَمْرَ مُبَاحَةٌ ثُمَّ حُرِّمَتْ. وَأَمَّا نَسْخُ الْإِبَاحَةِ إِلَى الْكَرَاهَةِ، فَلا يُوجَدُ، لِأَنَّهُ لا تَنَاقُضَ، فَأَمَّا انْتِقَالُ الْمُبَاحِ إِلَى كَوْنِهِ وَاجِبًا فَلَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ إِيجَابَ الْمُبَاحِ إِبْقَاءُ تَكْلِيفٍ لا نَسْخٌ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْخِطَابِ: وَهُوَ النَّهْيُ فَهُوَ يَقَعُ عَلَى ضربين: أحدهما: عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، فَهَذَا قَدْ يُنْسَخُ بِالْإِبَاحَةِ، مِثْلَ تَحْرِيمِ الأَكْلِ عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ وَالْجِمَاعِ. وَالثَّانِي: عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ، لَمْ يُذْكَرْ لَهُ مِثَالٌ. .فَصْلٌ: أحدهما: مَا كَانَ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ}، فَهَذَا لاحِقٌ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي جَوَازِ النَّسْخِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْخَبَرُ الْخَالِصُ، فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْكَذِبِ وَذَلِكَ مُحَالٌ. وَقَدْ حَكَى جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالسُّدِّيِّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وهذا القول عظيم جداً يؤول إِلَى الْكُفْرِ، لِأَنَّ قَائِلا لَوْ قَالَ: قَامَ فُلانٌ ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُمْ، فَقَالَ: نَسَخْتُهُ لَكَانَ كاذباً. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الأَخْبَارُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ، لِأَنَّ نَسْخَ الأَخْبَارِ كَذِبٌ وَحُوشِيَ الْقُرْآنُ مِنْ ذَلِكَ. .فَصْلٌ: . الْبَابُ الرَّابِعُ: بَابُ شُرُوطِ النَّسْخِ: أحدها: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُتَنَاقِضًا. بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى وجهين: أحدهما: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ مُتَنَاوِلا لما تناوله الثاني بِدَلِيلِ الْعُمُومِ، وَالْآخَرُ مُتَنَاوِلا لِمَا تَنَاوَلَهُ الأَوَّلُ بِدَلِيلِ الْخُصُوصِ، فَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ لا يُوجِبُ نَسْخَ دَلِيلِ الْعُمُومِ، بَلْ، يُبَيِّنُ أَنَّهُ إِنَّمَا تَنَاوَلَهُ التَّخْصِيصُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ دَلِيلِ الْعُمُومِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ ثَابِتًا فِي حَالٍ غَيْرَ الْحَالَةِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحُكْمُ الْآخَرُ مِثْلَ تَحْرِيمِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى مطلِّقها فِي حَالٍ، وَهِيَ مَا دَامَتْ خَالِيَةً عَنْ زوج وإصابة فَإِذَا أَصَابَهَا زَوْجٌ ثانٍ ارْتَفَعَتِ الْحَالَةُ الأُولَى، وَانْقَضَتْ بِارْتِفَاعِهَا مُدَّةُ التَّحْرِيمِ فَشُرِّعَتْ فِي حَالَةٍ أُخْرَى حَصَلَ فِيهَا حُكْمُ الْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ المطلِّق ثَلاثًا، فَلا يَكُونُ هَذَا نَاسِخًا، لِاخْتِلافِ حَالَةِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ ثَابِتًا قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فَذَلِكَ يَقَعُ بِطَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} وَقَوْلُهُ: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} وَمِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا». وَالثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ بِطَرِيقِ التَّارِيخِ، وَهُوَ أَنْ يُنْقَلَ بِالرِّوَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الأَوَّلُ ثُبُوتُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْآخَرِ فَمَتَى وَرَدَ الْحُكْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إِلا بِتَرْكِ الْآخَرِ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ امْتُنِعَ ادِّعَاءُ النَّسْخِ في أحدهما. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ مَشْرُوعًا أَعْنِي أَنَّهُ ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْعَادَةِ وَالتَّعَارُفِ لَمْ يَكُنْ رَافِعُهُ نَاسِخًا، بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ وَهَذَا شَيْءٌ ذُكِرَ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ الطَّلاقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا إِلَى غَايَةٍ فنسخه قوله: {الطلاق مرتان} وَهَذَا لا يَصْدُرُ مِمَّنْ يَفْقَهُ، لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَفْهَمُ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ شَرْعٍ لا نَسْخٌ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ النَّاسِخِ مَشْرُوعًا كَثُبُوتِ الْمَنْسُوخِ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِطَرِيقِ النَّقْلِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْمَنْقُولِ، وَلِهَذَا إِذَا ثَبَتَ حُكْمُ مَنْقُولٍ لَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِإِجْمَاعٍ وَلا بِقِيَاسٍ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ النَّاسِخُ مِثْلَ الطَّرِيقِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْمَنْسُوخُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ دُونَهُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَضْعَفُ نَاسِخًا للأقوى. . الْبَابُ الْخَامِسُ: بَابُ ذِكْرِ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، فَأَمَّا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، فَالسُّنَّةُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أحدهما: مَا ثَبَتَ بِنَقْلٍ مُتَوَاتِرٍ، كَنَقْلِ الْقُرْآنِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ القرآن هَذَا حَكَى فِيهِ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد قال: والمشهور لا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ والشافعي، والرواية الثانية يَجُوزُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ قَالَ: وَوَجْهُ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وَالسُّنَّةُ لَيْسَتْ مِثْلا لِلْقُرْآنِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلامي لا ينسخ القرآن، والقرآن ينسخ بعضه بعضاً». ومن جِهَةُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ السُّنَّةَ تَنْقُصُ عَنْ دَرَجَةِ الْقُرْآنِ فَلا تَقْدَمُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وَالنَّسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ بَيَانُ مُدَّةِ الْمَنْسُوخِ، فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُبُولَ هَذَا الْبَيَانِ، قَالَ: وَقَدْ نُسِخَتْ الوصية للوالدين والأقربين بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَنُسِخَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} بأمره عليه السلام، أَنْ يُقْتَلَ ابْنُ خَطَلٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، أَنَّ السُّنَّةَ مُفَسِّرَةٌ لِلْقُرْآنِ وَكَاشِفَةٌ لِمَا يَغْمُضُ مِنْ مَعْنَاهُ فَجَازَ أَنْ يُنْسَخَ بِهَا. وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ تَجْرِي مَجْرَى الْبَيَانِ لِلْقُرْآنِ، لا النَّسْخُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: السُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، وَلا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ إِلا الْقُرْآنُ. وَكَذَلِكَ قال الشَّافِعِيِّ: إِنَّمَا يَنْسَخُ الْكِتَابَ الْكِتَابُ والسنة ليست ناسخة له. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ بِنَقْلِ الْآحَادِ فَهَذِهِ لا يَجُوزُ بِهَا نَسْخُ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهَا لا تُوجِبُ الْعِلْمَ، بَلْ تُفِيدُ الظَّنَّ، وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ الْعِلْمَ، فَلا يَجُوزُ تَرْكُ الْمَقْطُوعِ بِهِ لِأَجْلِ مَظْنُونٍ، وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ رَأَى جَوَازَ نَسْخِ التَّوَاتُرِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءٍ لَمَّا اسْتَدَارُوا بِقَوْلٍ وَاحِدٍ. فَأُجِيبَ بِأَنَّ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ تَثْبُتْ بِالْقُرْآنِ فَجَازَ أَنْ تنسخ بخبر الواحد. .فَصْلٌ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يَجْرِي مَجْرَى النُّطْقِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَجَرَى مَجْرَاهُ فِي النَّسْخِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، فَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» وَعَمِلُوا بِدَلِيلِ خِطَابِهِ، فَكَانُوا لا يَغْتَسِلُونَ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بقوله عليه السلام: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانُ بِالْخِتَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ نَسْخِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ قَالُوا: لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ لا يَكُونُ نَاسِخًا وَلا مَنْسُوخًا وَلَيْسَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ، بَلْ هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ مَعْنَى النُّطْقِ وَتَنْبِيهِهِ. .فَصْلٌ: وَاحْتَجَّ الأَوَّلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفِدَاءِ قَبْلَ فِعْلِهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرِضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ خَمْسُونَ صَلاةً ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: فَإِنَّ الأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ فِيهِ تَكْلِيفُ الْإِيمَانِ بِهِ وَالِاعْتِقَادِ لَهُ، ثُمَّ تَكْلِيفُ الْعَزْمِ على فِعْلِهِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي عين له ثم إذا فعله عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَجَازَ أَنْ يُنْسَخَ قَبْلَ الأَدَاءِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْقِدْ مِنْ لَوَازِمِهِ غَيْرَ الْفِعْلِ، وَالنِّيَّةُ نَائِبَةٌ عَنْهُ. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْمُرُ عِبَادَهُ بِالْعِبَادَةِ، لَكَوْنِهَا حَسَنَةً فَإِذَا أَسْقَطَهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا حَسَنَةً وَخُرُوجُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ يُؤَدِّي إِلَى الْبَدَاءِ وَهَذَا كَلامٌ مَرْدُودٌ بِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْإِيمَانِ وَالِامْتِثَالِ. وَالْعَزْمِ يَكْفِي فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، من التكليف بالعبادة. . الْبَابُ السَّادِسُ: بَابُ فَضِيلَةِ عِلْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالأَمْرِ بِتَعَلُّمِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السجستاني، قال: حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى قَاصٍّ يَقُصُّ فَقَالَ: تَعَلَّمْتَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ قَالَ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي قال: أخبرنا أحمد بن بندار البقال، قال: أخبرنا محمد ابن عمر بن بكير النجار، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بن حمدان، قال: بنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بن عمر الضريرة قَالَ: أَبْنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَقُصُّ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: رَجُلٌ يُحَدِّثُ، ثُمَّ أَتَى عَلَيْهِ يوماً آخر فإذا هُوَ يَقُصُّ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: رَجُلٌ يُحَدِّثُ فَقَالَ: اسْأَلُوهُ، يَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لا. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَقُولُ: اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي، أَنَا فُلانٌ ثُمَّ قَالَ: لا تُحَدِّثْ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلاءِ الْغَنَوِيُّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ لَقِيَ أَبَا يَحْيَى فَقَالَ: يَا أَبَا يَحْيَى: مَنِ الَّذِي قَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي؟ فَقَالَ إِنِّي أَظُنُّكَ عَرَفْتَ أَنِّي أنا هو، قال: قَالَ: مَا عَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، مَرَّ بِي وَأَنَا أَقُصُّ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ فَقُلْتُ أَنَا أَبُو يحيى، قال: لست بأبي يَحْيَى وَلَكِنَّكَ اعْرِفُونِي، هَلْ عَرَفْتَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، قَالَ: فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقُصُّ عَلَى أحد. قال أحمد: وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى قَالَ: أَتَانِي عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَأَنَا أَقُصُّ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أُوَسِّعُ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ إِلَيْكَ، هَلْ تَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، مَا اسْمُكَ، قُلْتُ: أَبُو يَحْيَى. قَالَ: أَنْتَ أَبُو اعْرِفُونِي. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إبراهيم، قال: بنا إبراهيم بن العلاء الغنوي أبو هرون عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا يَحْيَى الْمُعَرْقَبَ فَقَالَ لَهُ: مَنِ الَّذِي قَالَ لَهُ: اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي. قَالَ: يَا سَعِيدُ. إِنِّي أَنَا هُوَ. قَالَ: مَا عَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، مَرَّ بِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا أَقُصُّ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ فَقُلْتُ: أَنَا أَبُو يَحْيَى. فَقَالَ: لَسْتَ بِأَبِي يَحْيَى، وَلَكِنَّكَ اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي، ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلِمْتَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: فَمَا عُدْتُ بَعْدَهَا أَقُصُّ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن حذيفة قال: قالت: حُذَيْفَةُ إِنَّمَا يُفْتِي النَّاسَ أَحَدُ ثلاثة: رجل قد علم نَاسِخَ الْقُرْآنِ مِنْ مَنْسُوخِهِ، وَأَمِيرٌ لا يَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا أَوْ أَحْمَقُ مُتَكَلِّفٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الكازي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى قَاصٍّ، قَالَ: تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: هَلَكْتَ وأهلكت قال: أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَهِدْتُ أَنْ أَعْلَمَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ فَلَمْ أَعْلَمْهُ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً} قَالَ: الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ، وَمُتَشَابِهِهِ، وَمُقَدَّمِهِ، وَمُؤَخَّرِهِ وَحَرَامِهِ وحلاله، وأمثاله. . الْبَابُ السَّابِعُ: بَابُ أَقْسَامِ الْمَنْسُوخِ: فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: مَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَحُكْمُهُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال أخبرني أبو أمامة ابن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ «أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرُوهُ، أَنَّهُ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً كَانَ قَدْ وَعَاهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَأَتَى بَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ يَسْأَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، جَاءَ آخَرُ وَآخَرُ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا جَمَعَهُمْ، فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ السُّورَةِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبروه خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ السُّورَةِ فَسَكَتَ سَاعَةً، لا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: نُسِخَتِ الْبَارِحَة. فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فِيهِ». أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ «أَنَّ رَجُلا كَانَتْ مَعَهُ سُورَةٌ فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقْرَؤُهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا قَالَ: فَأَصْبَحُوا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: قُمْتُ الْبَارِحَةَ لِأَقْرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: مَا جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا لِذَلِكَ وَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ». قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الملك الدقيقي، قال: أنبأنا عفان، قال: بنا حماد، قالت بنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حرب ابن أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةٌ مِثْلُ بَرَاءَةٌ ثُمَّ رُفِعَتْ فَحُفِظَ مِنْهَا: إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لا خَلاقَ لَهُمْ وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تاب. قال بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ الأَحْزَابَ كَانَتْ مِثْلَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَطْوَلَ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا عباد بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَيْفَ تَقْرَأُ سُورَةَ الأَحْزَابِ قُلْتُ سَبْعِينَ أَوْ إِحْدَى وَسَبْعِينَ آيَةً قَالَ وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ الْبَقَرَةَ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ فَكَتَبْتُهَا فِي مُصْحَفِي فَأَصْبَحْتُ لَيْلَةً فَإِذَا الْوَرَقَةُ بَيْضَاءُ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقالت: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ تِلْكَ رُفِعَتِ البارحة». الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: جَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ وَعَاهَا وَعَقِلَهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعِهَا، فَلا أُحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ على أن الله عز وجل: بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقِلْنَاهَا وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ، عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوِ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، أَلا: وَإِنَّا قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ: لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُم. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا في القرآن. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ قُرَيْشٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ سَنَنْتُ لَكُمُ السُّنَنَ، وَفَرَضْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ، وَتَرَكْتُكُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ، أَنْ لا تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالا، وَآيَةُ الرَّجْمِ لا تَضِلُّوا عَنْهَا، فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا، وَأَنَّهَا قَدْ أُنْزِلَتْ، وَقَرَأْنَاهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ. وَلَوْلا أَنْ يُقَالَ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا بِيَدِي. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ عَنْ زِرٍّ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ سَأَلَهُ: كَمْ تَقْرَأُ هَذِهِ السورة؟ يعني الأَحْزَابَ، قَالَ: إِمَّا ثَلاثًا وَسَبْعِينَ وَإِمَّا أَرْبَعًا وَسَبْعِينَ، قَالَ: إِنْ كنا لنقرأها كَمَا نَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَنَقْرَأُ فِيهَا، إِذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد ابن أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بن مخرمة قال: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ جَاهِدُوا كَمَا جَاهَدْتُمُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَإِنَّا لا نَجِدُهَا قَالَ: سَقَطَتْ فيما أسقط من القرآن. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أبي حميد قالت: أَخْبَرَتْنِي حُمَيْدَةُ، قَالَ أَوْصَتْ لَنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِمَتَاعِهَا فَكَانَ فِي مُصْحَفِهَا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ الأُولَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: بنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث حَرَامًا خَالَهُ فِي سَبْعِينَ رَجُلا فقتلوا يوم بير مَعُونَةٍ قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْنَا فَكَانَ مِمَّا نَقْرَأُ، فَنُسِخَ، أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ. |